مشاعا، فلا يجوز، بل إن بعض العلماء حرم شراء الإنسان ما وهبه لغيره، ولو بثمن المثل، وعلل ذلك بأنه حيلة على الرجوع في الهبة، واستدل لذلك بقصة عمر بن الخطاب أنه حمل رجلاً على فرس في سبيل الله أعطاه إياه يجاهد عليه، فأهمله الرجل فأراد عمر أن يشتريه ظنا منه أنه سيبيعه برخص، فاستأذن النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقال:«لا تشتره ولو أعطاكه بدرهم، فإن العائد في صدقته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه»، فجعل النبي (صلى الله عليه وسلم) شراء ذلك من باب الرجوع؛ لأنه قال:«فإن العائد في صدقته كالكلب»، وهذا القول ليس ببعيد، لاسيما إذا اشتراه الرجل مباشرة، فإن الغالب أن الموهوب له سوف يخجل ولا يماكسه في الثمن.
ومن فوائد الحديث: دناءة الكلب وخسته حيث كان يفعل هذا الفعل، ولا ندري عن بقية الحيوانات هل تفعل مثل ذلك أم لا؟ لكن إن فعلت فهذه دناءة أن يتقيء ثم يرجع في قيئه، ولا تستغرب إذا قلنا في ذلك دناءة الكلب وخسته؛ لأنك قد تقول: هذه بهائم وما لها وللخسة؟ ! وما لها ولكرائم الأخلاق؟ !
فنقول: بل إن البهائم تُمدح على كرائم الأخلاق، فإن ناقة النبي (صلى الله عليه وسلم) في غزوة الحديبية لما بركت وخلأت - أبت أن تستمر في السير إلى مكة - صاح الناس، وقالوا: خلأت القصواء، خلأت القصواء، يعني: حرنت ووقفت، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): «والله ما خلأت وما ذاك لها بخلق»، فدافع عنها «ولكن حبسها حابس الفيل» ثم قال: «والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها شعائر الله إلا أجبتهم عليها»، الحاصل: أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) دافع عن ناقته أن تُوصف بسوء الخلق، قال:«ما خلأت وما ذاك لها بخلق»، فبعض الحيوانات يكون دنيئا خسيسًا، ويدل ذلك على خبثه، وبعض الحيوانات قد يترفع عن مثل هذه الخسة، ويدل لهذا أيضا أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «خمس من الدواب كلهن فاسق»، فوصفهن بالفسق، ويدل لهذا أيضا أن النبي (صلى الله عليه وسلم)«حرم كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطيرة»، لماذا؟
قال العلماء: لأن الآكل لذلك إذا تغذى بهذا اللحم تأثر به، صار يأكل الناس، لأنه أكل لحم السباع، فيخشى أن يكون سبعًا، وإذا لم تتحقق السبعية فربما يكون من طبيعته محبة أذى الناس، فلذلك نهى عنه، وقد أخذ العلماء بهذا فقالوا: يكره للإنسان أن يسترضع لولده امرأة