للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدل عليه حديث جابر (رضي الله عنه)، وهذا هو الموافق للقواعد العامة؛ لأن القواعد العامة أن المسلمين على شروطهم إلا شرطا أحل حرامًا أو حرم حلالاً، فإنه يسقط.

فلننظر الآن إلى الأحاديث يقول: «العمرى لمن وهبت له»: العمرى: هى الهبة المقيدة بالعمر «لمن وهبت له» يعني: ملكا وإذا كانت له فإنه يجري فيها الميراث، أنه إذا مات المُعمّر رجعت إلى ورثته على حسب الميراث، وهذا نصر صريح بأن العمرى لمن وهبت له، لكن المراد بها: العمرى المطلقة، يعني: التي لم تقيد بعمر المُعمر ولم تقيد بأنها له ولعقبه؛ لأنها لو قُيدّت بذلك فأمرها ظاهر، لكن إذا أطلق فيقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): «لمن وهبت له؟ » قال: ولمسلم: «أمسكوا عليكم ... الخ» الخطاب هنا لمن؟ للمعمرين الواهبين، «ولا تفسدوها» يعني: بإخراجها عن ملككم فالمراد بالإفساد هنا ليس هو الإفساد الذي ضد الإصلاح، بل المراد إخراجها عن ملككم، يعني: أمسكوها ولا تخرجوها عن ملككم وذلك لأن العمرى يخرج بها الملك من المُعْمِر إلى المُعْمَر، ولهذا فرع عليها قوله: «فإنه من أعمر عُمرى فهي للذي أعمرها ... إلخ»، إذن لا تظن أنك إذا قلت: أعمرتك هذا البيت أن البيت سيرجع إليك، بل يكون للمعمّر، وحينئذٍ يفسد عليك كيف يفسد على المعمر؟ لأنه خرج عن ملكه، وفسد تصرفه فيه، لم يملك أن يتصرف، فكان النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: تصرفوا على بصيرة فإنكم إن أعمرتم شيئا أفسدتموه على أنفسكم ونقلتم ملكه إلى المعمر حيا وميتا ولعقبه وقوله: «حياً» واضح أنه لو لم يكن حيا لكان ميتا و «لعقبه» كيف تكون هذه العمرى له ميتا ولعقبه؟ نقول: يمكن مثل أن يُوصي بجزء من ماله مثلاً إذا أوصى بثلث ماله ومن جملته هذه العُمرى صارت له ميتا، والثلثان للورثة لعقبه فكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول: «هي له في حياته وبعد مماته ولعقبه»، أو يقال: له حيا وميتا فيما لو أوقفها على أعمال البر ومات فإن ثوابها يكون بعد موته له، أي: للمُعْمَر، أما عقبه فهو إذا أوقفها خرجت عن مُلكه وعن ملكهم أيضا، فصار قوله: «ميتا ولعقبه» لها صورتان:

الصورة الأولى: أن يُوصى بالثلث فإذا أوصى بالثلث صار ثلث المعمّر داخلاً في الوصية، والثلثان للورثة.

الصورة الثانية: أن يُوقف هذا الذي يعمره فيكون هذا وقفا في سبيل الله فحينئذ تكون له ميتا، وهل لعقبه منها شيء في هذه الصورة؟ ليس لعقبه منها شيء فيكون قوله: «ميتا ولعقبه» على وجه التوزيع، إما له خالصة إذا وقّفها، وإما لعقبة خالصة إذا لم يُوص بشيء فتكون كلها لعقبه.

على كل حال: هذا الحديث يدل على أن العُمرى تكون ملكا تامًا للمُعْمَر يجري فيها الميراث، والوصية وكل شيء.

<<  <  ج: ص:  >  >>