السوق وسامه الناس ووقف ولم يزد فاشتراه الذي تصدق به هل تجوزون هذا؟ الجواب: قل نجوزه بناء على أن الرجوع في هذه الصورة لم يتحقق وقد تمنع منه سلا للذريعة، لئلا يتجاسر الناس على هذا الأمر، ويشترون ما تصدقوا به أو ما وهبوه بثمن أقل، لأننا لو قدرنا أن الثمن يكون مطابقا للقيمة في صورة من الصور فإن هذا قد لا يتأتى في جميع الصور يعني: أن يكون الواهب ورعًا لا يمكن أن يأخذه بأدنى من قيمته، لكن يأتى واهبون كثيرون يأخذونه بأقل من قيمته، فلذلك نقول: إن باب سد الذرائع وهي قاعدة معروفة عند الأصوليين والفقهاء أيضا تقتضي المنع مطلقا، أي: لا يشتريه ولو بثمن المثل.
فإن قال قائل: لو أن هذا الرجل باعه على شخص آخر فهل يجوز أن يشتريه من الشخص الآخر؟ الجواب: نعم؛ لأنه انتقل منه على وجه الشراء، ويدل لهذا الأصل أن النبي (صلى الله عليه وسلم) دخل ذات يوم فوجد اللحم على النار، فقيل: إنه تصدق به على بريرة، فقال: هو لها صدقة ولنا منها هدية.
ومن فوائد الحديث: ورع عمر (رضي الله عنه) حيث توقف في الأمر حتى سأل النبي (صلى الله عليه وسلم).
ومنها: أن الله تعالى قد يعطي الإنسان الذي عُرف بالورع كرامة بحيث لا يقدم على شيء فيه حرج وشك، فإن عمر لو أقدم بسرعة على هذا الفعل لوقع في المحظور، لكنه من كرامة الله له أن توقف حتى يسأل (صلى الله عليه وسلم).
ومنها أيضا: حرص الصحابة على العلم، ولكن الصحابة يحرصون على العلم ليعملوا به بخلاف ما كان الناس عليه من زمن بعيد، يحرصون على العلم حرصا نظريًا فقط لا عمليا، فتجده يحرص على العلم ويحقق المسألة، ويعرف الحكم، لكن لا يعمل بها، فهذه مشكلة، وهي موجودة الآن بكثرة عند الناس، وهذا يكون حجة عليه، وأنا أذكر لكم بالنسبة للورع قصة وقعت لشخص من الناس كان قد قطع أثلاً له، يعني: جرّه ولما جاء ليأخذه وإذا جاره قد قطع أثله أيضا، وجعله كومة إلى جنب كومة الرجل، فأناخ بعيره وحمل عليها الخشب وربطه وزجر البعير لتقوم فأبت أن تقوم لأنها حمل عليها حطب غيره، وكان الرجل معروفا بالورع والصلاح، فزجرها وضربها فأبت، فتعجب، ناقته يعرفها، فلما فكر وقعت عينه على خشبة وعرف أنه أخطأ وأنه حمل خشب غيره فأنزل الخشب وحمل خشبه، فلما انتهى بمجرد ما كلم البعير بأدنى زجر قامت ومشت! هذا شيء حُكي لنا، وهذا من حماية الله للإنسان فقد يحصل أن الله يُعسر عليه الشيء المحرم الذي يضره من حيث لا يشعر. قد يحرمك الله شيئا تحب أن يتحصل لك، لكن في النهاية يكون خيرا لك.