ومنها: التغاضي عن الحقوق إذا كان بينك وبينه حق ومعلوم أن الجار بينه وبين جاره حق فإذا كنت تهدي إليه ويهدي إليك تغاضى عن حقوقك وتغاضيت أنت عن حقوقه.
ومنها: أن الإنسان ينال بها كمال الإيمان لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره». ولهذا أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) بالهدية إلى الجيران حتى في الشيء القليل.
ومنها جواز هدية المرأة من بيت زوجها للشيء اليسير لقوله: وجارة لجارتها، والعلماء (رحمهم الله) قيدوا ذلك بشرط ألا يكون الزوج بخيلاً لا يرضى فإن كان بخيلاً لا يرضى فإنه لا يجوز لها أن تُهدي شيئا من بيت زوجها حتى ولو قليلاً وقد كان بعض النساء المجتهدات المحبات للخير تُهدي الشيء القليل ولو كان الزوج قد نهاها وتقول: إنه يفسد؛ لأن بعض الأزواج يقول لزوجته: لا تهدي شيئا أبداً ولو فسد الطعام، فمن النساء من تقول: إذا كان يفسد فأنا سأهدي، وجوابنا على ذلك أن نقول لها: لا يحل لكي أن تهدي إذا نهاك عن الهدية، لأن المال ماله، والبيت بيته، والإثم الحاصل بفساد هذا المال عليه هو، أما أنت فليس لك الحق، لكن في هذه الحال ينبغي لها أن تعظه وتخوفه من الله فإذا بقي شيء من الطعام الذي يفسد لو بقي تحثه على أن يتصدق به، وهذا يقع كثيرا فيما إذا كان عند الزوج وليمة، أما إذا كانت المسألة عادية، فإنه يمكنها أن تجعل الطعام بقدر الحاجة فقط، وحينئذ لا يبقى شيء في الغالب، لكن إذا كان هناك دعوة فربما يبقى شيء كثير.
ومن فوائد الحديث: جواز صدقة المرأة من مالها بغير إذن زوجها، وجهه أنه إذا جاز أن تتصدق من مال زوجها اليسير فمن باب أولى أن تتصدق بشيء من مالها.
(٨٩٨) - وعن ابن عمر (رضي الله عنهما) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «من وهب هبه؛ فهو أحق بها ما لم يثب عليها». رواه الحاكم وصححه، والمحفوظ من رواية ابن عمر، عن عمر قوله.
يعني: المحفوظ أنه موقوف وليس بمرفوع، موقوف على عمر يقول:«من وهب هبة فهو أحق بها»، هذا ليس على إطلاق بل المراد من وهب هبة ثواب فهو أحق بها ما لم يُثب عليها، وذلك أن الهبة على نوعين: نوع يُراد به الثواب، فهذه حكمها حكم البيع إذا لم يحصل لك الثواب فلك أن تردها، ونوع يُراد به التبرع المحض، فهذه تكون ملكا للموهوب له سواء أثابك أم لم يثبك، فيحمل هذا الحديث على النوع الأول أي: على الهبة التي يريد بها المهدي الثواب.