للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليك رجل من التجار هدية، وهو ممن يتعامل بالربا من أجل ألا تنكر عليه فهنا لا يجوز لك القبول؛ لأنه متى كانت الهدية وقاية لدينك فلا تقبلها، وهذا يقع كثيرا، فإن بعض الناس يُماكس بعض العلماء على مسائل الدين فيكثر لهم من الهدايا، من أجل أن يسكتوا عنه، فإذا كانت الحال هكذا فإنه لا يجوز قبول الهدية، لأنك صرت الآن بعت دينك بها، اشتريت بآيات الله ثمنا قليلاً، لكن هذين الحديثين على ما فيهما من ضعف معناهما صحيح، لا شك أن الهدية تجلب المودة وتذهب السخيمة.

(٨٩٧) - وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «يا نساء المسلمات، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة». متفقٌ عليه.

قوله (صلى الله عليه وسلم): «يا نساء المسلمات» من باب إضافة الموصوف إلى صفته، يعني: يا أيتها النساء المسلمات، وخص النداء بنساء المسلمات؛ لأن المرأة المسلمة هي التي يحملها إسلامها على قبول ما جاء به النبي (صلى الله عليه وسلم)، فهو من باب الإغراء والحث على قبول ما أمر به (صلى الله عليه وسلم).

وقوله: «لا تحقرن»، هذا نهي، وفيه إشكال من حيث الإعراب؛ لأن المعروف أن «لا» الناهية تجزم الفعل، وهنا الفعل آخره الراء وهو غير مجزوم بل هو مفتوح ولننظر ماذا تقولون؟ لأنه مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، لكن يرد على هذا قوله تعالى: {ثُمّ لَتُسْأَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ} [التكاثر: ٨]. فإن الفعل هنا متصل بنون التوكيد ولم يُبْنَ؟ إذن نقول: يبنى على الفتح إذا كانت مباشرة لفظا وتقديرا، وهذه لفظا لا تقديرا يقول: «لا تحقرن جارة لجارتها»، الجارة: هي القريبة وليس المراد بالجارة: الضرة، يعني: الزوجة الثانية للزوج المراد بالجارة هنا القريبة قال: «ولو فرسن شاة»، فرسن الشاة هو للغنم بمنزلة الخف للإبل، وهو مما يضرب به المثل في القلة والزهد فيه، والحديث يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): «لا تحقر المرأة أن تهدي لجارتها شيئا من بيتها ولو كان شيئا قليلاً مثل فرسن الشاة».

فنستفيد من هذا الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يهدي لجيرانه ولو شينَا قليلاً وقد ثبت عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «إذا اشتريت لحمًا فأكثر مرقها وتعاهد جيرانك»، حتى في هذا الأمر، وذلك لما يترتب عليه من الفائدة وهي الألفة بين الجيران، ولا شك أن الألفة بين الجيران فيها مصالح كثيرة منها: التعاون على البر والتقوى فيما إذا كان أحدهما مقصراً، ومنها: الحماية والرعاية، لأن جارك يحميك.

<<  <  ج: ص:  >  >>