للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجب؟ قال: "إنما هو بضعة منك"، "بضعة" يعني: قطعة من الإنسان كسائر الأعضاء كاليد والرجل، والأصبع والأذن، وما أشبه ذلك، فهل إذا مس الإنسان أذنه ينتقض وضوؤه؟ لا، إذن إذا مس ذكره لا ينتقض الوضوء؛ لأنه جزء منه، وهذه العلة علة لا يمكن زوالها أبدا ولا تشكل على أحد، يعني: لا قال: إن هذه علة وصفية يمكن أن يجادل فيها، هذه علة محسوسة أن الذكر بضعة من الإنسان فإذا كان الإنسان إذا مس بقية أعضائه لا ينتقض وضوؤه فكذلك إذا مس ذكره.

ففي هذا الحديث فوائد؛ منها: جواز السؤال عما يستحيا منه إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وجهه: إنه سأل عن مس الذكر، فإن هذا يستحيا منه، ولكن دعت الحاجة إلى ذلك من أجل أن يبين للمفتي الأمر على حقيقته، ولابد أن يبين الأمر على حقيقته.

ومن فوائد هذا الحديث: أن مس الذكر لا يوجب الوضوء لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا" و "لا" جواب يفيد النفي.

ومن فوائد هذا الحديث: حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يذكر الحكم وعلته، وذلك في قوله: "إنما هو بضعة منك"، ونأخذ منه فائدة تترتب على ذلك: أنه ينبغي للمفتي إذا أفتى بشيء أن يذكر الدليل أو التعليل ليطمئن السائل، لاسيما إذا وجده قد استغرب الحكم أو استنكره؛ فإنه حينئذ يتعين أن يبين له مآخذ الحكم ليأخذ الحكم عن اقتناع؛ لأن كثيرا من الناس إذا سأله العامي قال: هذا حرام، أو هذا حلال ويمشي، لكن إذا شعرت أن الرجل لم يقتنع، وأنه استغرب الحكم فعليك أن تبين الدليل، والمؤمن يقتنع بالدليل؛ ولهذا تحس دائما أن الرجل إذا سألك عن مسألة، ثم أفتيته بها ورأيت أنه ليس بقابل إلى ذلك الحد، ثم قلت: إن الرسول - عليه الصلاة والسلام- قال كذا؛ تجده يسفر وجهه ويقتنع تماما، وهذا أمر قد يغفل عنه كثير من الناس.

ومن فوائد هذا الحديث: الإشارة إلى أنه إن مس الذكر على وجه آخر يخالف مس بقية الأعضاء فله حكم آخر، وذلك إذا مسه لشهوة، فإنه إذا مسه لشهوة لا يكون كبقية الأعضاء؛ لأن بقية الأعضاء لا يمكن للإنسان أن يمسها بشهوة، لكن الذكر يمكن أن يمسه لشهوة؛ فعليه نقول: إذا مس الذكر مسا ليس على مس الأعضاء العادي وجب عليه الوضوء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نفي الوجوب وعلل، وهذه علة منصوصة، وعلة لا يمكن أن تعتل أو تزول، "إنما هو بضعة منك"، وعليه فإذا مسه على وجه الشهوة فإنه ينتقض وضوؤه، وهذا هو الصحيح أن مس الذكر إن كان لشهوة انتقض به الوضوء، وإلا فلا.

فإن مسه غيره فهل ينتقض وضوؤه؟ أي: الممسوس. الفقهاء يقولون: لا ينتقض وضوؤه،

<<  <  ج: ص:  >  >>