للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: ذوي عدله أي: صاحبي عدل، وهو واضح في أنه وصف المذكر؛ لأن وصف

المؤنث يقال ذواتى، كما قال تعالى: {ذَوَاتَيْ أُكُلٍ} [سبأ: ١٦]. لكن هنا قال: «ذوي» يعني: رجلين ذوي عدل، وإنما أمر بالإشهاد لئلا يحصل نزاع بين الواجد وبين صاحبها إذا وجدها، فقد يدعي صاحبها أنها أكثر عددًا أو أنها أطيب وصفا، فإذا أشهد أستراح على الأقل من اليمين، فلا توجه إليه اليمين ما دام عنده بينة واشترط أن يكون ذوي عدل؛ لأن الفاسق لا يُقبل

خبره ولا يرد؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦]. ما قال: فردوه ولا فاقبلوه، بل قال: {فَتَبَيَّنُوا} لماذا؟ لأن الفاسق قد يصدق، قد توجد قرائن تدل على صدقه، ولهذا لا يرد خبر الفاسق مطلقًا ولا يقبل مطلقا، لكن العدل: فليشهد ذوي عدل يُقبل خبره، ولهذا أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يكون الشاهدان ذوي عدل.

«وليحفظ عفاصها ووكاءها»، هل المراد بذلك حفظ ذاتها، أو المراد حفظ ذاته، أو أوصافه؟ الثاني، يعني: فليحفظ العفاص، وهو الوعاء الذي فيه اللقطة، والوكاء: الحبل الذي رُبطت به إما بنات أو بأوصافه.

يقول: «ثم لا يكتم ولا يغيب»، «لا يكتم» يعني: يُعرف؛ لأن السكوت عن التعريف كتم، و «لا يُغيّب» أي: لا يُخفي منها شيئًا، بل ينشد ويصدق فيما يبدي منها.

«فإن جاء ربها فهو أحق بها» أي: رب اللقطة وهو المالك أو من ينوب منابه، «فهو أحق بها» يعني: فهي له، لأنه إذا كان أحق فإنه لا منازع له في هذا الحق، «وإلا» يعني: وإلا يأتي «فهو مال الله» هذه الجملة «وإلا» ترد علينا كثيرا في كلام العرب، وفي السُنة أيضا، فما كيفية تركيب هذه الجملة؟ نقول: أصلها إن الشرطية ولا النافية وما بعدها جواب الشرط وفعل الشرط محذوف، إن هنا ليست محذوفة لكنها مدغمة بلا وأصلها «وإن لا»، فعل الشرط محذوف يفهم مما سبق، قال: وإلا، قدر الفعل «وإلا يجد»، جملة «فهو مال الله» جواب الشرط، واقترن بالفاء لأن الجملة اسمية، وإلا، يعني: وإلا يجيء ربها فهو أي: الموجود ولم يقل: فهي فأعاد الضمير على المعنى، وإلا لقال: فهي، «فهو مال الله يؤتيه من يشاء»، أي: يعطيه، ومن الذي أعطيه في هذه الصورة، الواجد يعني وإلا يجيء صاحبها فهي لمن وجدها مال الله يؤتيه من يشاء.

هذا الحديث فيه فوائد: أولا: الأمر بالإشهاد على اللقطة حين وجودها لقوله: «فليشهد» هذا الأمر هل هو للوجوب أو للاستحباب والإرشاد؟ في هذا قولان لأهل العلم فمنهم من قال: إن الإشهاد واجب واستند إلى أن الأصل في الأمر الوجوب حتى يقوم دليل على صرفه

<<  <  ج: ص:  >  >>