عن الوجوب، وقال: من وجد لقطة وجب عليه أن يشهد، وقال بعض أهل العلم: بل الأمر هنا للاستحباب، لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يأمر به في حديث زيد بن خالد مع أن السائل يبدو - والله أعلم - أنه أعرابي لا يفهم الشروط والحدود الشرعية، ولو كان الإشهاد واجبا لبينه النبي لهذا الأعرابي الذي أراد أن يسأل ويمشي، الأول مذهب الشافعي، والثاني مذهب أحمد، يعني: الإشهاد إما واجب، وإما سنة، ولا شك أن الاحتياط الإشهاد؛ لأن الإنسان ربما تغلبه نفسه الأمارة بالسوء فيما بعد ويكتم اللقطة ولاسيما وإذا كانت لقطة ذات أهمية كبيرة، فالإشهاد أحوط بلا شك، وينبغي مع الإشهاد إتمامًا للاحتياط أن يكتب ذلك لأن الشهود ربما يغيبون أو ينسون أو يموتون.
ومن فوائد الحديث: أن الإشهاد المعتبر إشهاد ذوي العدل، وأن الإنسان لا ينبغي أن يشهد إلا ذوي العدل، لأنه هو المقبول الشهادة.
فإن قال قائل: لو أشهد فاسقا ثم تاب الفاسق وأذى وهو عدل هل تُقبل شهادته؟ قلنا: نعم، قبل اعتبار بحال الأداء، كما أنه لو أشهد وهو عدل ثم فسق فإنها لا تقبل.
ولو أشهد صغيرا ثم بلغ وضبط الشهادة فإنها تُقبل اعتبارا بحال الأداء.
ومن فوائد الحديث: أن ظاهره أن المرأة لا تُقيل شهادتها بهذا، ولكن هذا الظاهر غير مراد لأن الله قال:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ}[البقرة: ٢٨٢]. وقد ذكر أهل العلم أن المال وما يقصد به المال يُستشهد فيه الرجلان والرجل والمرأتان.
ومن فوائد الحديث: أنه يجب أن يحفظ عفاصها ووكاءها؛ لقوله:«وليحفظ» وهذا الأمر لم يعارضه شيء يدل على عدم الوجوب فيه، بل جاء ما يشهد للوجوب في قوله في حديث زيد بن خالد:«اعرف عفاصها ووكاءها».
ومن فوائده: تحريم كتم اللقطة لقوله: «ثم لا يكتم»، وتحريم تغييب شيء منها لقوله:«ولا يغيب».
ومن فوائده الإشارة إلى وجوب القيام بالأمانة في أموال الغير لأن كل هذه الأوامر الأربعة:«فليشهد»، «وليحفظ»، «ثم لا يكتم»، «ولا يغيب» كل هذا من أجل المحافظة على مال الغير وهو كذلك؛ أي: أنه يجب على الإنسان إذا كان مؤتمنا على مال الغير أن يحافظ عليه.