ومن فوائد الحديث: تحريم الحمار الأهلي لكن إذا دعت الضرورة لذلك حل، فلو فرض أن رجلاً يسير على حمار، ونفد زاد وجاع وخاف أن يهلك فلا بأس ان يذكي حماره ويأكل منه.
وكذلك ذو ناب من السباع يحل أكله للضرورة، فلو أن إنسانا جائعًا في البر وخشي على نفسه من الهلاك فمر به ذئب فرماه يحل لقول الله تعالى:{وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}[الأنعام: ١١٩]. ولقوله:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[المائدة: ٣]. حتى الخنزير لو اضطررت إلى أكله فكله، والكلب أيضاً كله.
فإذا قال قائل: كيف يحل وهو نجس، والنجس مضر؟
قلنا: لأن قوة الطلب تدفع ضرره أو تخفف من ضرره قوة الطلب يعني: الجوع فالمعدة تجدها متأهبة تهضم هذا بسرعة ولا يتأثر، ولهذا ذكر أن صهيباً الرومي كان عند النبي (صلى الله عليه وسلم) وقد أوجعته عينه فجيء إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بتمر فأكل مته فطلب صهيب أن يأكل فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم) فإنك أرمد، والأرمد يؤذيه التمر» فقال: يا رسول الله أمضغه من الجانب الآخر، فضحك النبى (صلى الله عليه وسلم) ومكنه.
قال ابن القيم (رحمه الله): لأن هذا وإن كان يضر فى الأصل لكن قوة الطلب تجعل المعدة تذهبه. إذن يصير ذو الناب حلالاً عند الاضطرار ولكن لا يأكل منه إلا بقدر الضرورة، لأن ما زاد على الضرورة لا ضرورة إليه، فإذا كان يشبعه نصف كيلو فلا يأكل إلا ما يسد رمقه فقط، فإن جاع ثانيًا أكل ولكن هل له أن يتزود فيحمل معه من هذا اللحم؟ نعم إذا كان يخشى أن يحتاج إليه مرة ثانية فيحمل.
ومن فوائد الحديث: حل الحمار الوحشي لمفهوم قوله: «الأهلي».
ومن فوائد الحديث: تحريم لقطة المعاهد، وأنها كغيرها لقوله:«ولا اللقطة من مال معاهد ... إلخ».
ومن فوائده: أن مال المعاهد محترم وهو ظاهر من قوله: «ولا اللقطة من مال معاهد»، وإذا كان ماله محترمّا فدمه محترم لا يجوز أن نقتله، حتى وإن كان أعدى عدو لنا مادام بيننا وبينه عهد، فإنه لا يجوز قتله، لكن إذا نقض العهد بأي ناقض من نواقض العهد المعروفة عند العلماء حل دمه.