فقال: إنه يورث ولا يرث. واستدل من قال بذلك بأن الصحابة (رضى الله عنهم) ورثوا ورثة المرتدين الذين ارتدو بعد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ولكن هذا الاستثناء ضعيف، لأن عموم الحديث لا يخصصه إلا بنص أو بإجماع، ولا إجماع في المسألة ولا نص.
فالجواب: إبقاء الحديث على عمومه، وأن المرتد لا يرثه أحد من أقاربه، ويذهب ماله إلى بيت المال، واستثنى بعض العلماء المنافقين فقال: إنه يجري التوارث بينهم وبين المؤمنين، لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) عاملهم معاملة المسلمين ظاهرا، وهذا الاستثناء صحيح إذا لم يُعلم نفاقه، أما إذا عُلم نفاقه واشتهر وأعلنه فإنه كافر، ولا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم، لكن إذا كان لا يُعلن نفاقه، فإنه يجرى التوارث بينه وبين أقاربه المسلمين، لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يعامل المنافقين معاملة المسلمين، إذن فلا يستثنى من هذا الحديث إلا المنافق الذي لم يظهر نفاقه.
هذا الحديث يسميه العلماء:«موانع الإرث»، يعني: إذا وجدت أسباب الإرث، لكنه وجد مانع فإنه لا توارث، وذلك لأن الأحكام لا تثبت إلا بوجود أسبابها وشروطها، وانتفاء موانعها، ولهذا لو توضأ الإنسان وضوءا كاملاً وتطهر طهارة كاملة في ثوبه وبقعته ثم صلى في وقت النهي فصلاته باطلة لوجود المانع، وحينئذ يجدر بنا أن نتكلم عن الموانع، فنقول: الموانع ثلاثة: اختلاف الدين، والقتل، والرق.
أما اختلاف الدين فقد سمعتم دليله:«لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم»، وهل يرث الكافر الكافر؟ إن كان دينهما واحدا توارثا، وإن كان دينهما مختلفا فلا إرث، فاليهودي لا يرث من النصراني، والنصراني لا يرث من اليهودي؛ لأن الكفر مِلل.
الثاني: القتل يعني: لو أنه قتل الوارث مورثه، فإنه لا يرثه، ولو كان أباه لماذا مع وجود الأبوة؟ استدلوا بأثر ونظر، أما الأثر فهو أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «إن القاتل لا يرث شيئا من المقتول».
وأما النظر فقالوا: إننا لو ورثنا القاتل أدى ذلك إلى أن يُقتل الرجل من أجل ماله، وهذا يفتح باب شر على الناس، فإذا حرمناه سددنا الباب، وعلى هذا فلا يرث القاتل سواء كان قتله عمداً أم خطأ، حتى لو انقلبت امرأة على طفلها في النوم ومات، فإنها لا ترث منه، هل هذه تعمدت؟ لا، أم تقتل ولدها وهي نائمة مستحيل، لكن نقول سدا للباب، لئلا يدعي مدع قاتل عملا أنه كان قتل خطأ، ولكننا نقول في هذه المسألة: أما الحديث فلا يصح عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أن القاتل لا يرث، وأما التعليل فينبغى أن يُقال بمقتضاه بشرط أن نعلم أن يغلب على الظن أن هذا الوارث إنما قتل مورثه من أجل ان يرثه، فإن نفى هذا فإنه لا وجه لحرمانه من الميراث.