عليه؟ يترتب عليه الصلاة التي هي من أعظم الأشياء، ولو كان هذا من شريعة الله ليبينه الله ورسوله بيانا شافيا كافيا، فلما لم يقع ذلك بل قال:"إن الماء لا ينجسه شيء"، "إن الماء طهور لا ينجسه شيء"، علمنا بأن ليس هناك قسم يسمى الطاهر، وهذا الذي دلت عليه الأحاديث هو ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحم الله وقال: إن الماء إما طهور وإما نجس وليس ثمت قسم ثالث.
عرفنا أن الماء ينقسم إلى قسمين لا ثالث لهما وعرفتم وجه الدلالة.
ثانيا: أن الماء لا ينجس إلا بالتغير لقوله: "لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه". ورواية البيهقي بالتنويع: ريحه، أو طعمه، أو لونه، فإذا وقعت فيه نجاسة ولم تغيره فبناء على هذه القاعدة المبنية على الحديث يكون طهورا، قل أو كثر.
القاعدة الثالثة: أنه إذا تغير أحد أوصافه: الطعم أو اللون أو الريح بالنجاسة صار نجسا لقوله: "إلا أن تغير ريحه، أو طعمه، أو لونه".
القاعدة الرابعة: أن النجاسة التي تؤثر في الماء هي التي تحدث فيه، وعلى هذا فلة تغير ريح الماء بميتة حوله فإن الماء يكون طهورا؛ لأن في حديث البيهقي:"بنجاسة تحدث فيه"، وما كان خارج الماء فإنها ليست حادثة فيه، وقد حكى بعضهم إجماع العلماء على ذلك؛ أي: على أن الماء إذا تغير بالمجاورة من غير أن تحدث النجاسة فيه؛ فإنه يكون طهورا.
القاعدة الخامسة: أن الأصل في الماء الطهارة لقوله: "تحدث فيه" والحادث ليس قديما بل هو متأخر، وعلى هذا فإذا وجدت ماء وشككت هل هو طهور أو نجس؟ فهو طهور؛ لأنه لا يمكن أن ينتقل من الطهورية إلا بنجاسة تحدث فيه، والحدث يكون متأخرا عن القديم.
فإن قال قائل: بماذا نطهر الماء؛ يعني: إذا عرفنا أنه صار نجسا فبماذا يطهر؟
قلنا: يطهر بأي مزيل للنجاسة؛ أي مزيل للنجاسة فإنه يطهر به، لماذا؟ لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما، فما دام الشارع قد علق نجاسة الماء بتغير الطعم أو اللون أو الريح، فإنه متى زال ذلك صار طهورا بأي سبب، فمثلا لو أنا أضفنا إلى هذا الماء موادا كيماوية حتى زالت النجاسة لا طعم ولا لون ولا ريح؛ فإنه يكون طهورا يجوز الوضوء به، ويجوز سقي النخل والزرع، ويجوز شربه إذا لم يكن على الإنسان ضرر في ذلك؛ لأن الحكم يدور مع علته، كذلك أيضا لو كان مع الريح والشمس زالت النجاسة بنفسها بدون أي عمل يكون أيضا