الغنم؟ قال:"إن شئت" يعني: إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ، وهذا يدل على أن من الأعمال ما يجوز فعله؛ ولكن لا يستحب، لكن إن فعله الإنسان فلا حرج عليه؛ لأن كون الرسول - عليه الصلاة والسلام- يضيف هذا الشيء للمشيئة يدل على أن الإنسان إن توضأ لم يؤجر، وإن ترك لم يأثم ولم يؤجر، قال:"إن شئت".
قال:"أتوضأ من لحوم الإبل" قال: "نعم"، "نعم" يعني: توضأ فقوله: "من لحوم"، ولحوم يشمل كل ما يحمله قدم ورجل الحيوان فإنه يسمى لحما، فيدخل فيه لحم القلب، والكبد، والكرش، والأمعاء، وكل ما شمله جلد هذه البهيمة فإنه داخل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل، واللحم عند ذكر الحل والتحريم أو ترتيب الأحكام يشمل الجميع، قال الله تعالى:{حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير}[المائدة: ٣]. ومن المعلوم أن لحم الخنزير يشمل جميع ما أدخل جلده من لحم أحمر وأبيض وأمعاء وكرش وكبد وغير ذلك.
ففي هذا الحديث فوائد كثيرة منها: حرص الصحابة - رضي الله عنهم- على تعلم العلم؛ ولهذا لا يدعون صغيرة ولا كبيرة يحتاجون إليها في الدين إلا سألوا عنها، ومن تتبع الأسئلة الواردة من الصحابة على النبي - عليه الصلاة والسلام- تبين له أن قول بعض الجهال: إن الصحابة - رضي الله عنهم- لم يتعمقوا في العلم ولا في السؤال عنه قول باطل؛ لكنهم لم يتعمقوا تعمق المتأخرين الذين يضربون الأمثال، ويصورون الصور البعيدة الوقوع، بل الممتنعة الوقوع، الصحابة - رضي الله عنهم- يأتون الأمور بظاهرها ولا يتعمقون، لكنهم موفقون للعلم الصحيح.
ومن فوائد هذا الحديث: أن لحم الغنم لا يجب الوضوء منه سواء كان نيئا أو مطبوخا/ وجه الدلالة: الإطلاق أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفصل، والسائل لم يستفصل، فمن أكل لحم غنم نيئا كان أو مطبوخا لم يجب عليه الوضوء. فإن قال قائل: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قال: "توضئوا مما مست النار"؟
قلنا:"بلى"، لكن هذا الحديث ورد ما يدل على أنه ليس بواجب، أعني: الوضوء مما مست النار لقول جابر - أظنه جابرا-: "كان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار". وهذا الترك لبيان الجواز، وعليه فيكون قوله:"إن شئت" عاما للحم المطبوخ واللحم النيئ.
ومن فوائد هذا الحديث: إثبات المشيئة للعبد، وأن العبد له مشيئة تامة لقوله:"إن شئت"، وفي هذا رد على طائفة مبتدعة مخالفة للمعقول والمنقول والمحسوس ألا وهي الجبرية الذين