يقولون: إن الإنسان ليس له مشيئة، وإنما يعمل اضطرارا لا اختيارا، ولما قيل لهم: إن هذا يستلزم أن يكون الله تعالى ظالما إذا عاقبه على معصية لم يردها، قالوا: إن هذا ظلم لو كان الفاعل يتصرف في غير ملكه، أما إذا كان يتصرف ف ملكه فليس بظلم، وهذا لا شك أن قول باطل؛ لأن الله - سبحانه وتعالى- قال عن نفسه:{ولا يظلم ربك أحدا}[الكهف: ٤٩]. وقال في الحديث القدسي:"إني حرمت الظلم على نفسي". وفي هذا دليل على إمكانه لو شاء لظلم لكنه عز وجل لا يظلم، فدل ذلك على أن قولهم هذا باطل، وأن الإنسان له مشيئة.
ولكننا ننكر قولا آخر مضادا له ألا وهو قول القدرية الذين يقولون: إن الإنسان مستقل ب‘رادته ومشيئته؛ لأننا نعلم أن إرادة العبد ومشيئته من إرادة الله عز وجل أي: تابعة لإرادة الله وليست مستقلة، والإنسان يريد الشيء ويعزم عليه ويؤكده ويأتيه مانع من الله عز وجل إما بصرف الهمة، وإما بوجود مانع خارجي لا يستطيع معه أن يفعل، فمشيئة العبد تابعة لمشيئة الله.
وفائدة القول بأننا نقول أنها تابعة لمشيئة الله: أننا نعلم أن العبد متى شاء شيئا فقد شاءه الله عز وجل، فإذا وقع تحقق دون ذلك، أما مجرد مشيئة العبد فالعبد قد يشاء، ومشيئة هذه لا شك أنها من مشيئة الله لكن قد يقع وقد لا يقع؛ لأنه قد تحصل موانع تمنع الإنسان من فعل ما أراد، وفي هذا أيضا دليل على أن الشيء يكون جائزا شرعا فلا يسمى الفاعل مبتدعا، ولكنه لا يطلب من الإنسان، الرسول - عليه الصلاة والسلام- قال له:"إن شئت".
وهذا الذي قلته أنا له دليل، بعث النبي صلى الله عليه وسلم رجلا على سرية، فجعل يقرأ لأصحابه ويختم بـ {قل هو الله أحد}، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه. فدل ذلك على أن مثل هذا الفعل لا يسمى بدعة في دين الله ولا يأثم به الإنسان، لكن هل نقول: إنه سنة، وأنه ينبغي للإنسان إذا قرأ في الصلاة أن يختم بـ {قل هو الله أحد}؟ لا نقول هذا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولم يأمر به الأمة، غاية ما هنالك أنه أقر هذا الرجل على هذا الفعل فيكون مباحا.
وكذلك سعد بن عبادة سأله أيتصدق ببستانه ونخله على أمه بعد موتنها؟ قال:"نعم".
لكن هل نقول: إن هذا سنة؟ لا؛ ولهذا لما ذكر النبي - عليه الصلاة والسلام- بر الوالدين بعد موتهما ما ذكر الصدقة؛ ذكر الدعاء والاستغفار، وإكرام الصديق، وصلة الرحم، ولم يذكر الصدقة، ولو كانت الصدقة عن الأموات مشروعة بمعنى أنها مطلوبة من المكلف لثبت ذلك بالسنة القولية أو الفعلية، لكن لا نقول لمن تصدق عن والديه: إنك مبتدع، بل نقول: هذا شيء