أقره النبي صلى الله عليه وسلم فلا بأس به، ففرق بين أن نقول: هذا سنة مشروع للأمة أن تقوم به، وبين أن نقول: إن هذا لو فعله فاعل فهو جاهل، إذن نأخذ من هذا الحديث، ومن أحاديث أخرى ما قررناه الآن.
ومن فوائد هذا الحديث: وجوب الوضوء من لحم الإبل، لقوله:"نعم".
فإن قال قائل: إن قول الرسول - عليه الصلاة والسلام-: "نعم" تعطي الرخصة من وضوء الإبل؛ لأن الرجل سأل أنتوضأ، قال:"نعم"؛ يعني: ليس فيه مانع، هذا مقتضى اللفظ لو قدرناه من منفصل عن الأول أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال:"نعم" يعني: ليس فيه مانع، لكن إذا قارنا قول:"نعم" بقوله في لحم الغنم: "إن شئت" دل ذلك على أن المعنى أنه ليس راجعا إلى مشيئتك، بل يجب أن تتوضأ وهو كذلك، ويؤيده أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء من لحم الإبل، فقد أمر بالوضوء من لحم الإبل. فإذا اجتمع هذا وهذا علمنا أنه - أي: لحم الإبل- ناقض للوضوء، وأن من أكل وجب عليه الوضوء، يبقى لنا رأي هل هذا يشمل النيئ والمطبوخ؟ الجواب: نعم.
فإذا قال قائل: هاذ الحديث منسوخ بحديث جابر: "كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار"؟
قلنا: سبحان الله! النسخ لا يمكن أن يقام إلا بشرطين: العلم بالتاريخ، وتعذر الجمع، وهنا لا علم لنا بالتاريخ، ولا يتعذر الجمع؛ لأن الأول ترك الوضوء مما مست النار ناسخ لقوله:"توضئوا مما مست النار". هذا هو الذي يقابل هذا، وكلمة "مست النار" يشمل اللهم لحم الإبل، والغنم، والبقر، والطيور، بل والخبز، لكن الله خفف - والحمد لله- على الأمة، ونسخ هذا، أما أن ينسخ شيئا خاصا فهذا ليس بصواب، فالحديث محكم ثابت.
فإن قال قائل: اللحم هل يشمل اللحم الأحمر، والأبيض، والأسود كالكبد وغير ذلك؟
فالجواب: نعم.
فإذا قال قائل: هذا خلاف العرف؛ لأنك لو قلت للخادم: خذ هذا اشتر به لحما، وأتى إليك بمصران امتثل أو لا يمتثل؟ لا يمتثل، إذن المصران لا يتصف باللحم، لو أتى إليك بكبد لم يمتثل.
فيقال: الحقائق الشرعية ليست هي الحقائق العرفية، الشاة عندنا في العرف؟ الأنثى من الضأن، وفي الشرع: تشمل الأنثى من الضأن والمعز، والذكر من الضأن والمعز، ففرق بين الحقائق الشرعية والعرفية، والشارع يحمل كلامه على الحقائق الشرعية؛ لأنه يتكلم بلسان