شيء، ولو كان قاتلاً بحق كمن قتل قصاصا، ولكن هذا الظاهر ليس بمراد، فإن القاتل بحق ليس جانيا، وظاهر الحديث أنه ليس للقاتل من الميراث شيء ولو كان قتله خطأ يقينا فإنه ليس له شيء، كامرأة تنام على ابنها في الليل فيموت، فهنا نجزم بأن المرأة لم تتعمد قتل ابنها، ومع ذلك لا ترث على ظاهر هذا الحديث. ولكن نقول: إنه ما دام الحديث لا يصح عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فإننا نقسم القتل بحسب القواعد الشرعية العامة إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ما كان بحق كالقصاص ورجم الزاني، فإنه لا يمنع الميراث قطعا.
مثال ذلك: ثلاثة إخوة قتل الأكبر منهم الأوسط فهنا من يرث الأوسط؟ الأصغر، والأكبر لا يرث؛ لأنه تعمد القتل، ولكن الأصغر اقتص من أخيه الأكبر، فيرث، وهذا المثال اجتمع فيه من يرث، ومن لا يرث، فالأخ الأكبر الذي قتل الأوسط لا يرث لأنه متعمد للقتل، والأخ الأصغر الذي قتل الأكبر قصاصا يرث؛ لأنه قتله بحق.
بقي القسم الثالث: إذا كان قتله خطاأ وليس له حق في قتله، فهل يرث أو لا يرث؟ المشهور من مذهب الحنابلة أنه لا يرث خوفا من أن يقوم قائم فيقتل مورثه عمداً ويقول: إنه خطأ، فمن أجل سد الذريعة نقول: لا يرث القاتل خطأ، ولكن القول الصحيح خلاف ذلك، وهو أن القاتل خطأ إذا كان خطؤه لا شك فيه فإنه يرثه ودليل ذلك عموم الأدلة المثبتة للميراث، فقوله تعالى:{يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْن}[النساء: ١١]. هذا عام لا يمكن أن نخرج من عمومه إلا ما قام الدليل على إخراجه، {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ}[النساء: ١٢]. هذا عام يشمل حتى الزوج الذي قتل امرأته خطأ كما لو كان مسافرا بزوجته وحصل عليه حادث بدون قصد، وماتت الزوجة، فإن الآية تدل على أنه يرث، وهذا الزوج يرى أنه من أكبر المصائب عليه أن زوجته ماتت، ويقول: لو خيرت أن أعطيها أكثر من مالها عشر مرات ولا تموت لفعلت، فكيف نقول: إن هذا الزوج يُحرم من الميراث؟ ! والله يقول:{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ}[النساء: ١٢].، فإذن عندنا عموم، هذا العموم لا يمكن أن يُخصص إلا بدليل من الشرع، ولا دليل على سقوط الإرث في مثل هذه الحال التي نعلم أنه لا يتطرق إليها احتمال العمد، فحينئذ يرث، ولكن يرث من تلاد مالها لا من الدية؛ لأن القاتل خطأ يجب عليه أن يسلم دية إلى أهل المقتول، والدية هذه تورث كما يورث ماله القديم، وحينئذ نقول: إنه يرث - أي: القاتل خطأ- من مال المورث الأول دون الدية؛ لأن الدية واجبة