للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا: أنه إذا كانت الوصية من الموصي سهل على الورثة أن يقوموا بتنفيذها لكن إذا لم تكن بوصية منه فربما يحوجون صاحب الحق إلى المحاكمة، فينكرون وويقولون: هاتوا شهودًا، وهذا لا شك أنه ضرر بالنسبة لصاحب الحق، إذن فمن عليه دين واجب ليس به بينة فالوصية به واجبة، وإن كان به بينة فالوصية مستحبة للوجهين اللذين ذكرناهما، هناك وصية واجبة مختلف فيها وهي الوصية للأقارب الذين لا يرثون فهذه الوصية اختلف العلماء في وجوبها، فأكثر العلماء على عدم الوجوب، وذهب بن عباس وجماعة من السلف والخلف إلى وجوب الوصية للأقارب غير الوارثين، وكل منهم استدل بآية واحدة، وهي قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: ١٨٠]. كتب، حقًا على المتقين، ثلاثة مؤكدات تؤكد الوجوب؛ لأن «كتب» بمعنى فرض كما في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: ١٨٣]. و «حقا» بمعنى ثابتا واجبًا، «على المتقين» الذين يتقون الله، فهذه ثلاثة مؤكدات تؤكد وجوب الوصية للوالدين والأقربين.

ولكن جاءت آيات المواريث فأخرجت الوارث من هؤلاء، وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): «إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث»، فخرج الوالدان الوارثان، وخرج الأقارب الوارثون لا يُوصى لهم اكتفاء بما جعل الله لهم من الميراث، فيبقى من لم يرث من الوالدين والأقربين، فمن العلماء من قال: إن هذه الآية منسوخة بآيات المواريث، ومنهم من قال: إنها مخصوصة بآيات المواريث، وهو الصواب، أي: أنها مخصوصة؛ لأنه متى أمكن العمل بالدليلين كان واجبا، والعمل بالدليلين عن طريق تخصيص العموم ممكن فيكون واجباً.

الوصية المحرمة أن تكون لوارث أو زائدة على الثلث مطلقًا، لوارث أو أجنبي دليل ذلك أن الله سبحانه وتعالى قسم المواريث وقال في الآية الأولى: {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ الله} [النساء: ١١]. فقال: فريضة، فدل هذا على أن تقسيم التركة على هذا النحو فريضة واجبة من الله {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: ١١]. وقال في الآية الثانية بعد أن ذكر ميراث الزوجات والإخوة من الأم قال: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [النساء: ١٣، ١٤]. فالزوج مثلاً إذا أوصى لزوجته بعشرة ريالات كان هنا قد تعدى الحدود؛ لأن الله إنما فرض لها ثمنا أو ربعًا، فإذا أعطاها ولو عشرة ريالات من مليون فقد تعدى الحدود وقد قال الله تعالى: {وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا} [النساء: ١٤]، في الآية الثالثة لما ذكر الله ميراث الحواشي: الإخوة الأشقاء أو لأب قال: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا} [النساء: ١٧٦]. فدل ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>