للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مفهوم، والشيء المفهوم المعلوم الذي يقتضيه السياق قطعًا لا حاجة إلى تقديره، قال النبي (صلى الله عليه وسلم): «نعم» وهي حرف جواب تفيد الإثبات أي إثبات ما سبق، أي: إثبات ما بعد الاستفهام إن كان نفيا فنفي وإن كان إثباتا فإثبات، فإذا قلت: أقام زيد؟ فقال المخاطب: نعم، فهذا إثبات القيام، وإذا قلت: ألم يقام زيد؟ فقال المخاطب: نعم، فهذا نفي القيام، يعني: أنه لم يقم والعامة يظنون أنك إذا قلت: ألم يقم زيد؟ فقال المخاطب: نعم، يعني: أنه قام وليس كذلك، بل إذا قال: نعم فهو تقرير لما بعد النفي؛ إن كان ما بعد النفي نفيًا فهذا نفي، وإن كان ما بعده إثباتًا فهذا إثبات، ويذكر عن ابن عباس (رضي الله عنهما) في قوله تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: ١٧٢].

قال: لو قالوا: «نعم» لكفروا؛ لأنهم إذا قالوا «نعم» أثبتوا النفي: أي: لست بريتا وهذا كفر فلما قالوا: بلى صار هذا نفيًا للنفي، أي: إثباتًا لا نفيًا، ولهذا لو قلنا لعامي: ألم تطلق امرأتك؟ قال: نعم، نعم ماذا يقصد؟ أنه طلقها؛ ولهذا جاء بها بغلظة وكررها مما يدل على أنه قصد الطلاق، لكن لو قالها طالب علم قيل له: ألم تطلق امرأتك؟ قال: نعم، فلا تطلق لأن طالب العلم لما قال: نعم، يعني: لم يطلق لكن العامي قال: نعم، يعني: أنه طلق.

على كل حال: هذه القاعدة، لكن مع ذلك قال النحويون: إنها قد تأتي في محل بلى إذا دلت على ذلك القرينة، وأنشدوا عليه قول الشاعر: [الوافر]

(أليس الليل يجمع أم عمرو ... وإيَّانا فذاك لنا تلداني)

(نعم وترى الهلال كما نراه ... ويعلوها النهار كلما علاني (

الشاهد في قوله: «نعم في جواب أليس الليل يجمع أم عمرو إلى قوله نعم، قال «نعم» يعني: أن لها أجرًا. هذا الحديث ليس بغريب على الصحابة (رضي الله عنهم) أنهم كانوا يسألون النبي (صلى الله عليه وسلم) عن أحكام الشريعة لكنهم كان من عادتهم أن يسألوه في الغالب قبل أن يقعوا في الأمر وهذا هو الأدب، وهو حقيقة الطلب أما بعد أن يفعل الإنسان الشيء ويقدم عليه يأتي فيسأل وربما لا يسأل إلا بعد سنين طويلة أحيانا يسأل الناس عن أشياء فعلوها منذ عشر سنوات أو أكثر ولكن قد يعذر الناس في الوقت الحاضر في تأخير السؤال لأن الناس من قبل ليس عندهم تفتح للعلم أما الآن -والحمد لله- فقد حصل تفتح كبير للعلم وصاروا يسمعون من هنا وهناك، وصاروا يسألون عن أشياء قديمة جدا.

?

<<  <  ج: ص:  >  >>