فالحاصل: أنه كان يصوم ويفطر، وقد ثبت عنه (صلى الله عليه وسلم) أن أفضل الصيام صيام داود كان يصوم يومًا ويفطر يومًا قال ذلك لعبد الله بن عمرو بن العاص الذي بلغه أنه قال إني أقوم ولا أنام، وأصوم ولا أفطر، ولكن الرسول (صلى الله عليه وسلم) بين له أن هذا ليس من السنة، وما زال يحَاططه حتى أذن له أن يصوم يومًا، ويُفطر يومًا، قال عبد الله: إني أطيق أفضل من ذلك، قال:«لا أفضل من ذلك»، يعني: لا شيء أفضل من صيام داود كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، فلما كبر عبد الله بن عمرو قال: ليتني قبلت رخصة النبي (صلى الله عليه وسلم)، وشق عليه الصوم حَتَّى صوم يوم وفطر يوم، فكان يجمع الخمسة عشر يومًا جميعًا يصومها ويفطر خمسة عشر يومًا.
يقول:«وأتزوج النساء»، يعني: ولا أتبتل خلافا لهؤلاء الرهط، وتزوجه للنساء (صلى الله عليه وسلم) كما يتزوج الرسل من قبله، قال الله تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً}[الرعد: ٣٨]. ثم إن تزوجه للنساء ليس تزوج تشه ولهذا لم يتزوج امرأة بكرًا إلا عائشة، ولو شاء أن يتزوج ما شاء من الأبكار لحصل له ذلك، لكنه (صلى الله عليه وسلم) إنما يريد بزواجه مصالح شرعية عظيمة سوى قضاء الوطر، وقد حبب الله إليه النساء فقال (صلى الله عليه وسلم): «حُبِّب إليّ من دُنياكم النساء والطِّيب، وجُعلت قرّة عيني في الصلاة». وذلك لأجل المصلحة العظيمة لأجل أن يكون له من كل قبيلة وبطن من العرب صلة؛ لأن الصلة بالنسب إذا فقدت تأتي الصلة بالصهر كما قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا}[الفرقان: ٥٤]، فالصهر قسيم النسب في باب التواصل بين الناس، فكان (صلى الله عليه وسلم) قد حُبّب إليه النساء، وأعطي قوة ثلاثين رجلاً، وكان يتزوج النساء من أجل الاتصال بين قبائل قريش وبطون قريش، ثم ما يحصل لهؤلاء الزوجات من الفضل والمناقب باتصالهن برسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثمّ ما يحصل من العلم الكثير الذي لا يفعله الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلا في بيته، فإن هذا العلم إنما نشره بين الأمة زوجاته؛ لأنهن يعلمن ذلك، فالمهم: أن من هدي الرسول أن يتزوج النساء.
قال:«فمن رغب عن سنتي فليس مِنِّي» أي: زهد فيها وتركها، وسنته هنا أي: طريقته، أي: مَن رغب عن طريقته في كونه يصوم ويفطر، ويُصلي وينام، ويتزوج النساء «فليس مني»، أي: فأنا بريء منه، وصدق النيي (صلى الله عليه وسلم)، لأن هذا هو مقتضى الفطرة الذي يرغب عن سنتك لا شك أنه مُفارق لك، وانه لا صلة بينك وبينه والذي يرغب في سنتك هذا هُوَ الموالي لك، ولهذا كان من أعظم الولاء أن يكون الإنسان موافقا لمن تولاه في أفعاله وأقواله وهو شيء مشاهد،