حَتَّى إن الإنسان إذا أحب شخصنا صار يقتدي به وينظر ماذا يفعل فيفعل مثله فكذلك الولاية من أراد أن يكون من أولياء الله ورسوله فليسلك ما شرعه الله على لسان رسوله (صلى الله عليه وسلم).
وقوله:«من رغب عن سنتي»، «رغب» تتعدى بـ «في»، وتتعدى بـ «عن»، فإن تعدت بـ «في» فهي للطلب، وإن تعدّت بـ «عن»، فهي للهرب؛ يعني: إذا قلت: رغبت في كذا فأنت تطلب، «رغبت عن»: تهرب منه لا تريده هنا «من رغب عن سنتي»، أي: هرب منها وتركها وزهد فيها، «فليس مني»، أي: ليس ممن ينتسب إلى لأن الذي ينتسب إليه حقًا هُوَ الذي يأخذ بشريعته (صلى الله عليه وسلم).
في هذا الحديث فوائد كثيرة منها: محاربة الإسلام للرهبانية، يؤخذ ذلك من كون النبي (صلى الله عليه وسلم) أنكر على هؤلاء التبتل والعبادة الشاقة من صوم أو صلاة.
ومنها: أن العبادة قد تكون مكروهة لا لذاتها ولكن لما يعرض لها من وصف، فالصلاة من أحب الأعمال إلى الله ومع ذلك إذا التزم بها الإنسان على هذا الوجه صارت إما محرمة أو مكروهة على الأقل ويتفرع على هذه الفائدة: ما يُطنطن به أهل البدع الذينَ إذا أنكرت عليهم بدعة ميلاد الرسول (صلى الله عليه وسلم) قالوا كيف تنكر علينا، أنت ترغب عن الصلاة على الرسول (صلى الله عليه وسلم) أو ترغب في الصلاة عليه؟ أرغب في الصلاة عليه لكن أرغب عن البدعة، هل هذه الصلاة التي أحدثتموها وهذا الثناء على الرسول (صلى الله عليه وسلم) في هذه الليلة هل هذا مما شرعه الرسول؟ لا، إذن يكون بدعة، وكل بدعة ضلالة، فالمهم: أن هذا الحديث يتفرع على فائدته أن کل ما كان مخالفًا للرسول (صلى الله عليه وسلم) فهو بدعة وإن كان أصله مشروعا وعبادة.
ومن فوائد الحديث: مبادرة النبي (صلى الله عليه وسلم) لإبطال الباطل؛ لأنه من حيث ما ذكروا له ذلك قام وخطب ونهى عنه، ويترتب على هذا أن نقتدي به وأن نُبادر بإنكار الباطل؛ لأن الباطل إذا سرى وانتشر صار انتشاله صعبا، لكن في أول أمره يسهل.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي إعلان الإنكار إذا دعت الحاجة إلى ذلك بحيث يكون هذا المُنكر منتشراً وجهه: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) خطب الناس مع أنه بإمكانه أن يكلم هؤلاء وينهاهم عما أرادوا ولكنه خاف أن ينتشر.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي البداءة في الخطبة -ولو كانت عارضة- بالحمد والثناء، وهذا كان هدي النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه يبدأ خطبه بالحمد والثناء، واختلف العلماء (رحمهم الله) في خطبتي العيد هل تبدئان بالحمد والثناء أو بالتكبير، على قولين في هذه المسألة، والأرجح أنهما يبدئان بالحمد والثناء، وإن كان التكبير فيه حمد وثناء؛ لأنك تقول: «الله أكبر الله أكبر لا