للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مضارعًا فهي تدل على الدوام غالبًا، فإذا قلت: كان يفعل كذا؛ فهو يعني: أن هذا من شأنه غالبًا وليس دائمًا، والدليل على ذلك أنه ليس دائمًا أن من الصحابة من يقول: كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يقرأ في الجمعة بسبح والغاشية، وآخرون يقولون: كان يقرأ بالجمعة والمنافقين، ولو قلنا: إن «كان» تفيد الدوام دائمًا لكان بين الحديثين تعارض، ولكن هذا يدل على أن «كان»، تفيد الدوام غالبًا، ثم هل هذا مستمر أو غير مستمر؟ هذا يُؤخذ من دليل آخر.

قال: «كان يأمرنا بالباءة»، وهي النكاح لقوله (صلى الله عليه وسلم): «من استطاع منكم الباءة ... » إلخ، «وينهى

عن التبتل»، الأمر والنهي ضدان؛ لأن الأمر طلب الفعل، والنهي: طلب الكف فهما ضدان.

وقوله: «التبتل» يعني: الانقطاع عن النكاح ينهى عنه نهيًا شديدًا، يعني: أنه يشدد في النهي عنه.

ويقول -إضافة إلى الأمر بالباءة-: «تزوجوا الولود ... » إلخ. الأمر هنا بصفة من يطلب تزوجها من النساء، «الودود» يعني: كثيرة المودة التي تتودد للزوج؛ لأن من النساء من يتودد للزوج بلين الكلام والتجمل وغير ذلك من أسباب المودة، ومن النساء من تكون بالعكس، بعض النساء اذا دخل زوجها وصدره ضائق فعلت ما يوسع صدره حتى يسر ويزول عنه ضيق الصدر، وبعض النساء إذا دخل زوجها وهو ضائق صدره كتمت في وجهه فزادته بلاء وسوء، الأولى نسميها ودودًا والثانية نسميها بغوضًا، الثانية في الحقيقة تُوجب أن يبغضها زوجها، فالرسول (صلى الله عليه وسلم) أمر أن نتزوج الودود، والحكمة من ذلك ليس هو الاقتصار على السعادة الزوجية فقط، بل الحكمة من ذلك: أن الإنسان إذا ودُ زوجته أحب ملاقاتها، وبملاقاتها يكثر النسل: ولهذا قال بعده: «الولود» يعني: كثيرة الولادة، ومن المعلوم أن النساء يتزوجن أبكارا وثيبات، الثيب معروف أنها كثيرة الولادة، لأنها سبق أن ولدت مثلاً، والبكر غير معروفة بكثرة الولادة في نفسها لكنها تُعرف بكثرة الولادة بأقاربها، وذلك لأن الوراثة كما تكون في الخلق الظاهر تكون كذلك في الخلق الباطن، وكذلك تكون في الخصائص الجسدية، فإذا كانت المرأة من أناس تُعرف نساؤهم بكثرة الولادة فهي ولود، ولو كانت بكرا اعتبارا بحال قريباتها.

وقوله: «فإني مكاثر» يعني: مُباه بكم الأنبياء أينا أكثر هو أو غيره، ومن المعلوم أن أتباع النبي (صلى الله عليه وسلم) أكثر الأتباع وأنه لا نبي أكثر أتباعا منه، وفي الرؤيا التي أريها النبي (صلى الله عليه وسلم) فعُرضت عليه الأمم ورأى النبي معه الرجل والرجلان، والنبي ليس معه أحد، رفع له سواد عظيم فظن أنه أمته، فقيل له: هذا موسى وقومه، ثم رفع رأسه فإذا سواد عظيم قد سدّ الأفق أكثر من الأول، فقيل: هذه أمتك. وقال: «إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة»، وكل الأمم نصف، وهذه

<<  <  ج: ص:  >  >>