قال بعض العلماء": إن هذه إشارة إلى أن الذنوب تحول بين المرء والصواب، وأنه ينبغي للإنسان عند الفتوى أو الحكم بين الناس أن يقدم الاستغفار حتى يزول عنه آثار الذنوب، فهنا تسأل المغفرة، لأن مغفرة الله لك سبب لتيسير أمورك فاستعانة واستغفار، وليس في الحديث:«نستهديه»، وليس فيه:«نتوب إليه»، ولكن بعض الناس يقولها، وإذا لم تكن واردة في الحديث فلا ينبغي إدخالها فيه لأن الإنسان إن أراد أن يخطب خطبة مستقلة يفعل ما شاء، ويقول ما شاء مما ليس بمُحَرَّم، لكن كونه يركز على خطبة معينة ويدرج فيها ما لم يرد هذا فيه شيء من النظر، ولهذا لا حاجة أن نقول:«نستهديه ونتوب إليه»، لأن ذلك لم يرد.
يقول:«ونعوذ بالله من شرور أنفسنا»، «نعوذ» أي: نلجأ إليه ونعتصم به من شرور أنفسنا، والأنفس لها شرور ولها خيرات، وذلك أن الله تعالى جعل في الإنسان نفسا مطمئنة ونفسنا أمارة بالسوء ونفسنًا لوامة وكلها في القرآن: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (١) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة: ١ - ٢].
{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً}[الفجر: ٢٨]. {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}[يوسف: ٥٣]، هذه النفوس الثلاث هي في ابن آدم وهو يعرفها آثاره، فالنفس المطمئنة تأمرك بالخير وتنهاك عن الشر، والنفس الأمارة بالسوء تأمرك بالسوء والشر، واللوامة قيل: إن اللوَّامة وصف صالح للنفسين جميعًا، وعلى هذا فلا تكون نفسنا ثالثة فيقولون مثلاً: اللوامة تلومك إذا فاتك الشر، واللوامة الأخرى تلومك إذا فاتك الخير فالأولى تنزع إلى النفس الأمارة بالسوء، والثانية تنزع إلى النفس المطمئنة وليست نفسا ثالثة، وهذا ليس ببعيد، لكن النفس التي فيها الشر هي النفس الأمارة بالسوء، شرور النفس تشمل البدايات والغايات، أما البدايات فهي ما يرد عليك من الأمر بالفحشاء وترك المأمورات هذه بدايات، أما الغايات فهي ما يترتب على هذه الشرور التي أمرتك بها نفسك الأمارة بالسوء قد تكون الغايات أشد وقعًا من البدايات، وانظر إلى قوله تعالى:{فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ}[المائدة: ٤٩].
فجعل الله تعالى إعراض الإنسان عن قبول الحق نتيجة لذنوب سبقت وليست كل الذنوب:{بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ}[المائدة: ٤٩]
حَتَّى إن بعض السلف -رحمهم الله- إذا نام عن قيام الليل قال: ما حُرمت قيام الليل إلا
بمعصية ثم يجدد لنفسه توبة؛ لأنهم يعلمون أن الإنسان لن يترك الطاعات أو يكون في المعاصي إلا نتيجة لمعاصٍ سابقة، فإن الإنسان إذا تقرب إلى الله زاده الله قربا وعصمه من الذنوب.