للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذن شرور النفوس تنقسم إلى بدايات وغايات، فالبدايات هي الذنوب التي يفعلها الإنسان، والغايات هي عقوبات هذه الذنوب، وكلها ولا شك شرور سببها النفس.

«من يهده الله فلا مضل له» يعني: من يُقدر هدايته ومن يهده بالفعل فلا مضل له، فإذا أراد الله هداية شخص فإن الناس لا يستطيعون أن يضلوه أبدًا مثاله: رجل منحرف؛ ما من معصية تُذكر إلا ذهب إليها وباشرها فصار فيه فتح من الله، أراد أن يتجه للخير فجاءه قرناء السوء يقولون: لماذا تخرج عما أنت فيه؟ لماذا تميل إلى كذا؟ هؤلاء لا يستطيعون، إذا كان الله قد أراد هدايته لا يستطيعون أن يصدوه أو يمنعوه أبدًا مهما حاولوا لأن الله قدّر هدايته، كذلك الإنسان الذي قد اهتدى بالفعل، وقد أراد الله أن يستمر على ما هُوَ عليه لا يستطيع أحد أن يهديه. إذن من يهذه الله تقديرا وفعلاً فإنه لا أحد يضله فلا مضل له.

«ومن يضلل فلا هادي له»، كذلك من يضلل تقديرًا أو فعلاً فلا هادي له، وأكبر مثل على ذلك أبو طالب عم النبي (صلى الله عليه وسلم) الذي صار منه إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إحسانا بالغًا مدافعة عظيمة ومع هذا لم يتمكن النيي (صلى الله عليه وسلم) من هدايته حَتَّى في آخر لحظة قال له: «قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله». ولكنه حيل بينه وبينها -والعياذ بالله- لأن الله لم يرد هدايته، والذي يُضله الله لا هادي له.

فإذا قال قائل: هاتان الجملتان قد يكون فيهما تأييس من دعوة الضالين إلى الهداية؛ لأن

الإنسان قد يقول: إن الله قد أراد إضلال هؤلاء فكيف أحاول أن أهديهم؟

قلنا: هذا الظن، أي: أن يظن الإنسان أن هذا مدلول الكلام خطأ، بل المعنى: أنك إذا أردت الهداية فلا تطلبها إلا من الله، وأنك إذا فعلت ما أمرت به من الدعوة إلى الخير ولكن المدعو لم ينتفع فحينئذ تُفوض الأمر إلى الله، وتقول: لو أراد الله هدايته لاهتدى، «فمن يضلل فلا هادي له»، وكذلك: «من يهده الله فلا مُضَلِّ له». المقصود: أن نعتصم بالله -سبحانه وَتَعَالَى-، حتى لا يضلك أحد.

قال: «وأشهد أن لا إله إلا الله ... » إلخ الشهادة في الأصل من المدركات الحسية التي تُدرك بالجسر يشاهدها الإنسان، ولكن تُطلق أحيانا على المعلوم يقينا حتى كأنه مُشاهد، وإلا فالأصل أنها من المدركات الحسية شهدت الهلال، شهدت الشمس، شهدت فلانا وهو يفعل كذا وكذا، ولكن تُطلق أحيانا على ما كان معلومًا يقينا كأنه مُشاهد بالحس، فأشهد أن لا إله إلا الله، يعني: أقر وأعترف اعترافا يقينيا كالمشاهد بالعين أنه لا إله إلا الله، وَ «لا» هنا نافية للجنس،

<<  <  ج: ص:  >  >>