والنافية للجنس نص في العموم لا تحتمل الاتباع في المنفي، فإذا قلنا:«لا إله إلا الله» لم تحتمل إثبات إله سوى الله، وقوله:«إله» بمعنى: مألوه، فهي فعال بمعنى: مفعول، وصيغته هذه موجودة في اللغة العربية كثيرا، فإنه يقال: غراس بمعنى: مغروس، وفراش بمعنى: مفروش، وبناء، بمعنى: مبني، فمعنى:«لا إله»، أي: لا مألوه، وما معنى المألوه؟ الذي تألهه القلوب محبة وتعظيمًا، تألهه بمعنى: تقبله وتركن إليه وتخضع له محبة وتعظيمًا «إلا الله».
فإن قال إنسان: هذه الشهادة يكذبها الواقع، لأنه توجد آلهة تُعبد من دون الله اللات والعزى ومناة وهبل، ويوجد ناس يعبدون البقر ويتبركون بأبوالها وأرواثها ويحرمون قتلها أو ذبحها، ويوجد ناس يعبدون الشمس ويعبدون القمر، كيف نقول:«لا إله إلا الله» أي: لا معبود ولا مألوه إلا الله؟
نقول: بين الله (عز وجل) أن هذه الآلهة باطلة أسماء بلا مسميات: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا}[يوسف: ٤٠]. فقط وليست مسميات؛ فاللات ليست إلها وإن سميتموها إلها؛ لأنها لا تخلق ولا ترزق ولا تنفع ولا تضر، قال إبراهيم لأبيه {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا}[مريم: ٤٢] فإذن يصدق هذا النفي أنه لا إله إلا الله، فإذا أورد إنسان علينا هذا الإيراد قلنا: هذه الآلهة باطلة {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ}[لقمان: ٣٠]، وما هي إلا أسماء دون مسميات فالألوهية منتفية عنه.
إذا قال قائل: قد علمنا في القواعد النحوية أن «لا» النافية للجنس لا تعمل إلا في النكرات فهل لفظ «إله» نكرة أو معرفة؟ نكرة، «الله» - لفظ الجلالة- معرفة - أعرف المعارف - هل عملت فيه «لا»؟ بعضهم يقول: عملت فيه ويجعل الله (لفظ الجلالة) خبر «لا» ويُسهل عملها في المعرفة هنا الفصل بينهما وبين الخبر بـ «إلا»، وهذا الفصل يمنع التركيب، وبعضهم يقول: إن الخبر محذوف، والله (لفظ الجلالة) بدل منه، وذلك لأن التام المنفي يجوز فيه البدل والنصب عَلى الاستثناء، فيجوز لا إله إلا الله ويجوز: لا إله إلا الله، فالله (لفظ الجلالة) هنا بدل، والأرجح أنه بدل، فالله (لفظ الجلالة) بدل من الخبر، والخبر محذوف، والتقدير: حق، وأما من قدره «لا إله موجود» فهذا خطأ؛ لأنه يكذبه الواقع إلا من يقولون بوحدة الوجود وأن الكون كله شيء واحد، فهؤلاء يقدرون موجودًا، يقول: لا إله موجود إلا الله، فالواجب أن يكون التقدير، أي: تقدير المحذوف: «حق»، أي: لا إله حق إلا الله.
«وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله»، أي مُحَمّد؟ مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد المطلب القرشي الهاشمي، «عبده ورسوله» عبد الله ورسول الله، فيوصف بالعبودية، وبهذا يكون قد انتفى عنه حق الربوبية، لأنه ليس له حق من الربوبية إطلاقًا، حتى إنه أنكر على شخص قال: ما شاء الله