وشئت، قال:«أجعلتني لله ندًا؟ »، مع أن للإنسان مشينة تمنع وتدفع، ومع ذلك قال:«أجعلتني لله ندًا؟ » فهو عبد، بل هُوَ (عليه الصلاة والسلام) أشد الناس تحقيقًا للعبودية، قال (صلى الله عليه وسلم) وهو الصادق: «إني لأعلمكم بالله وأتقاكم له»، فهو عبد الله وبهذا الوصف انتفى عنه حق الربوبية، «ورسوله»، يعني: مُرْسله إلى الخلق، إلى الجن والإنس (صلى الله عليه وسلم)، وبهذا الوصف أنتفى عنه الكذب فهو عبد لا يُعبد، ورسول لا يكذب (صلى الله عليه وسلم).
ثم يتكلم عن الموضوع اللي خطب من أجله، في هذه الخطبة يقول:«أشهد أن لا إله إلا الله» وفيما قبلها من الجمل: «إن الحمد لله نحمده ونستعينه»، قال:«نحمده»، وفي الشهادة قال:«أشهد»، ولم يقل: نشهد، فهل هذا مجرد اختلاف تعبير وأسلوب فهو بلاغة لفظية أو أن المعنى يختلف؟ نقول: المعنى يختلف؛ وذلك لأن الاستعانة والاستغفار تكون لجميع الأمة، بمعنى: أن الإنسان يستغفر لنفسه ولغيره، ولهذا قال الله تعالى في وصف التابعين:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ}[الحشر: ١٠]. وقالوا: نستغفر جميعًا، بأن يكون كل واحد منا يستغفر للآخر، ونستعين جميعًا، أي: كل واحد منا يستعين الله للآخر، أما الشهادة فهي خبر عما في نفس القائل لا يشركه فيه آخر؛ لأنها توحيد، فلهذا قال:«أشهد» ولا يشاركه أحد في هذه الشهادة؛ لأنها إخبار عما في قلبه، أما الأول فهو طلب، «نستعين»: نطلب العون، «نستغفر»: نطلب المغفرة، والإنسان يطلب المعونة لنفسه ولإخوانه، ويطلب المغفرة لنفسه ولإخوانه، أما الشهادة فهي خبر عما في نفسه، وليست خبرا عما في نفس غيره ولذلك قال:«أشهد .... إلخ».
في هذا الحديث فوائد عديدة منها: حرص النيي (صلى الله عليه وسلم) على إبلاغ الرسالة وهداية الأمة لقوله: «علمنا».
ومن فوائد الحديث: تسمية الشيء بأفضل ما جاء فيه، حيث أطلق على هذه الخطبة التشهد.