ويكون السامع قد خطبها من قبل فيقول له -أي: السامع- إني قد خطبتها ولكني أذنت لك أن تخطبها، هذا إذن صريح.
وقوله:«أو يأذن له»، يدل على أنه لابد من إذن الخاطب، فلو أذن لغيره فإن ذلك لا ينفع؛ لأن الإنسان قد يتنازل عن خطبة المرأة لشخص معين ولا يتنازل عن خطبتها لشخص آخر، مثل: أن يرى أن الخاطب الثاني أو الذي يريد خطبتها أنفع لها منه، إما لغناه أو لعلمه أو لسبب آخر فيأذن له، لكنه لا يأذن إذنا عامًا فهنا يختص الإذن بمن عين وأذن له فقط.
في هذا الحديث فوائد: أولاً: حرص الشارع على ثبوت الأخوة بين المسلمين، وجه ذلك: أن الخطبة على خطبة أخيه تُوجب التنافر والتعادي والبغضاء، ولهذا تجدون كثيرا من النصوص إذا تأملها الإنسان يجد أن الشريعة الإسلامية تراعي كثيرا المودة والألفة بين المؤمنين، انظر إلى الخمر والميسر والأنصاب والأزلام حزمها الله وبين الحكمة من ذلك فقال {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ}[المائدة: ٩١]. هذا، ولا يجوز البيع على بيع المسلم، وهناك نصوص كثيرة تدل على أن الشريعة الإسلامية تراعي الأخوة بين الناس والألفة وعدم التفرق.
ومن فوائد الحديث: تحريم خطبة الإنسان على خطبة أخيه المسلم، لقوله:«لا يخطب» النهي، والأصل في النهي التحريم، ويُؤكد التحريم هنا أن في الخطبة على خطبة أخيه عدوانا عليه هو أحق وأسبق.
فإن قال قائل: وهل يجوز للمرأة أن تخطب على خطبة أختها؟
نقول: القياس يقتضي ألا يجوز أن تخطب مثل أن تسمع امرأة بأن شخصا قد خطب فلانة فتعرض نفسها عليه فهذا حرام عليها، لأن العلة واحدة وهي العدوان على حق الغير.
فإن قال قائل: ما الجواب عن حديث فاطمة بنت قيس أنه خطبها ثلاثة معاوية وأبو جهم وأسامة بن زيد، ما الجواب؟ وجاءت تستشير النبي (صلى الله عليه وسلم) في ذلك، فبيّن لها أن معاوية صعلوك لا مال له، وأن أبا جهم ضراب للنساء، ثم قال: وانكحي أسامة، فما الجواب؟ الجواب أن يُقال: إن هؤلاء الثلاثة كل واحد خطب دون أن يعلم بأن الثاني قد خطب لأن هذه قضية عين وليست فيها التصريح بأن كل واحد منهم خطب وهو يعلم أن أخاه قد خطب. فإذن تُحمل هذه القضية على ما يوافق الشرع، على أن كل واحد خطب دون أن يعلم بخطبة الثاني وحينئذٍ لا إشكال.