ومن فوائد الحديث: أنه يجوز للإنسان أن يخطب على خطبة الذمي والحربي، ولكن لو سألنا سائل كيف يتصور أن يخطب على خطبة الذمي والحربي؟ لأن الذمي والحربي لا يمكن أن يتزوجا مسلمة؟ فالجواب: أن المسلم يجوز أن يتزوج امرأة نصرانية أو امرأة يهودية، فإذا أراد إنسان من المسلمين أن يخطب امرأة يهودية مثلاً وعلم أنه خطبها رجل يهودي فظاهر الحديث أنه يجوز أن يخطب على خطبة اليهودي؛ لأن اليهودي ليس أخا له، وكذلك لو كان الخاطب نصرانيا فيجوز أن تخطب، ولكن بعض أهل العلم يقول: إن هذا حرام ولا يجوز أن يخطب على خطبة اليهودي ولا النصراني إذا كان لهما ذمة، أما إن كانا حربيين فليس لهما حق، ولهذا جاءت أحاديث متعددة في عدم جواز الاعتداء على حقوق أهل الذمة.
فإن قال قائل: ما الجواب عن الحديث «أخيه»؟
قلنا: الجواب على هذا أنه خرج مخرج الغالب، وما خرج مخرج الغالب فإنه لا مفهوم له عند أهل العلم، ولهذا أمثلة كثيرة منها قوله تعالى في معرض المحرمات في النكاح:{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ}[النساء: ٢٣]. فإن قال:{اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم}، والربائب اللاتي لسن في الحجور حرام على القول الراجح وهو قول الجمهور، قالوا: وهذا القيد خرج مخرج الغالب مبينا للعلة، وما خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له.
إذن نقول: على هذا القول لا يجوز للإنسان المسلم أن يخطب على خطبة اليهودي والنصراني أو غيرهما من أهل الذمة، وهذا القول قوي، وفيه أيضا ما يقويه من الناحية التربوية؛ لأن غير المسلمين إذا رأوا هذا العدوان من المسلمين كرهوا الإسلام، لاسيما إذا قيل لهم: إن الإسلام يُجوز هذا الشيء فهذا يوجب النفور منه، فإذا علموا أن الإسلام يحترم الحقوق فإنهم قد يرغبون فيه على الأقل يكفون ألسنتهم عن التعرض له، وإن تعرضوا له عُلم كذبهم.
ومن فوائد الحديث: أنه لا يجوز للإنسان أن يخطب على خطبة أخيه مع الجهل: هل رُدَّ أم لم يرد؟ يعني: لو أنك سمعت أن شخصا خطب امرأة ولا تدري هل رُدُّ أم لم يُرد فهل يجوز أن تخطب؟ ظاهر الحديث أنه لا يجوز، وهذا هو الحق أنه لا يجوز، وذلك لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) علق الحكم بمجرد الخطبة إذا خطب، وهذه الحال لا تخلو من ثلاثة أقسام: