"إلا طاهر" كلمة "طاهر" قال بعض أهل العلم: أي: إلا مؤمنا، واستدل لهذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إن المؤمن لا ينجس". وإذا كان لا ينجس لزم أن يكون طاهرا؛ لأن النجاسة والطهارة شيئان متقابلان، وقال بعض العلماء:"إلا طاهر" أي: إلا متوضئ، يعني: طاهرا من الحدث الأصغر والأكبر، واستدلوا بقول الله - تبارك وتعالى- لما ذكر الوضوء والغسل والتيمم قال:{ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم}[المائدة: ٦]. فسمى الله الوضوء والغسل والتيمم لمن لم يستطع جعله تطهيرا، وقال تعالى:{ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرهن فأتوهن من حيث أمركم الله}[البقرة: ٢٢٢]. وردوا على الآخرين فقالوا: إنه لم يعرف في القرآن ولا في السنة أن يعبر عن المؤمن بالطاهر، وإنما الطاهر وصف وليس يعبر به عنه، وفتش هل يوجد في القرآن والسنة التعبير عن المتقين والمؤمنين بالطاهرين؟ لا يوجد لكن وصف المؤمن أنه لا ينجس، فإذا كان كذلك فإنه يبعد جدا أن يراد بالطاهر هنا المؤمن.
"رواه مالك مرسلا، ووصله النسائي وابن حبان، وهو معلول" المحدثون اختلفوا في وصله وإرساله، لكن شهرة هذا الكتاب وتلقي العلماء له بالقبول وتفريعهم عليه يدل على أن له أصلا صحيحا، وهو كذلك وهذا مما ذكره العلماء في المصطلح مما يتقوى به المرسل إذا تلقي بالقبول فإن نقله بين الناس واشتهاره بينهم يدل على أنه صحيح، وهو كذلك هو صحيح، في هذا الحديث دليل على أن تبليغ الرسالة والشريعة يكون باللفظ المسموع وبالكتاب المقروء، وجه الدلالة: أن هذه طريقة النبي صلى الله عليه وسلم تارة يبلغ الرسالة بالقول وتارة بالكتابة.
ومن فوائده: عظمة القرآن، وأنه يجب أن ينزه عن النجس سواء قلنا: إنه من كان محدثا، أو قلنا: إنه من كان كافرا.
ومن فوائد هذا الحديث: وجوب الوضوء لمس المصحف؛ لقوله:"لا يمس القرآن إلا طاهر" هذا ما رجحناه أخيرا، وإن كنا بالأول نميل أن المراد بالطاهر: المؤمن، لكن بعد التأمل تبين لي أن المراد بالطاهر: الطاهر من الحدث الأصغر والأكبر.
وهل المراد "ألا يمس القرآن" يعني: القرآن الذي في الأوراق؛ بمعنى: لا يضع يده عليه، أي: على المكتوب دون ما كان من حواشيه وجوانبه؟
الجواب: لا، المراد ألا يمس الذي كتب فيه القرآن كله، وعليه فإذا كتب القرآن بوسط الصفحة فجوانبها تمس؛ أي: لا يمسها المحدث، وإذا كان على المصحف جلدة مقواة فإنه يمسها إن كانت لاصقة به، أما إذا كانت وعاء ينفصل فإنه لا بأس أن يمسها من ليس بمتوضئ.