ومن فوائد هذا الحديث: أن المصحف لا يمسه إلا طاهر سواء كان صغيرا أو كبيرا؛ يعني: فالصغير الذي بلغ ست التمييز لا يمس القرآن إلا إذا تطهر، وقال بعض العلماء: إنه يرخص للصغار في مسه عند الحاجة، فإن الصغار يعطون شيئا من القرآن، إما في اللوح، وإما بأوراق خاصة كأجزاء جزء "عم"، جزء "تبارك"، ويشق أن نلزمهم بالوضوء، ولا شك أنه إذا كان هناك مشقة فإنه لا ينبغي إلزامه؛ لأن من دون البلوغ قد رفع عنه القلم، لكن يؤمرون ولا يلزمون.
فإن قال قائل: ما تقولون فيمن استدل لهذا بقوله تعالى: {لا يمسه إلا المطهرون}[الواقعة: ٧٩].
قلنا: لا دليل في الآية، يتبين هذا بتلاوتها {إنه لقرءان كريم في كتب مكنون لا يمسه إلا المطهرون} فالضمير هنا يعود إلى أقرب مذكور وهو "الكتاب المكنون"، وإن كان القول بأنه يعود إلى القرآن من حيث إن السياق في القرآن والحكم على القرآن، لكن يضعفه قوله:{إلا المطهرون} وهي اسم مفعول، ولو كان المراد: إلا من تطهر؛ لقال:(إلا المطهرون) أي: المتطهرون، فالآية ليس فيها دليل على ذلك، لكن بعض العلماء استنبط وقال: إنه إذا كان لا يمس الكتاب المكنون إلا الملائكة المطهرون، فكذلك أيضا المصحف الذي فيه القرآن الكريم، ولكننا لسنا بحاجة إلى هذا الاستنباط الذي قد يبدو بعيدا؛ إذ إن لدينا لفظ الحديث.
٧٢ - وعن عائشة رضي الله عنها قالت:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه". رواه مسلم، وعلقه البخاري.
قولها:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر" ذكر العلماء في أصول الفقه أن "كان" إذا كان خبرها مضارعا فإنها تدل على الدوام غالبا، وليس دائما، كان يفعل يعني: باستمرار، وهذا على الغالب وليس على الدائم، والدليل على أنه الغالب أنه ثبت في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يقرأ في صلاة الجمعة بسبح والغاشية". وجاء في لفظ آخر:"كان يقرأ في صلاة الجمعة بالجمعة والمنافقين". فلو قلنا: إن "كان" تدل على الدوام دائما لكان في الحديثين تعارض وتناقض، لكن نقول: إنها تدل على الدوام غالبا لا دائما.
قالت:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه""يذكر الله" يحتمل أن يكون المراد بالذكر هنا: الذكر اللفظي باللسان، وهذا هو الظاهر؛ يعني: أن يقول: "لا إله إلا الله"، ويحتمل أن يكون عاما لذكر القلب، والجوارح، واللسان؛ لأن الذكر يكون بالقلب، ويكون باللسان،