ويكون بالجوارح، الذكر بالقلب هو تذكر الله عز وجل وعظمته ورجاؤه وخوفه، وخشيته، ومحبته، وتعظيمه، وما أشبه ذلك، هذا ذكر الله بالقلب، وذكر الله باللسان: التسبيح، والتكبير، والتهليل، وما أشبه ذلك، وهو بالمعنى العام يشمل كل قول يقرب إلى الله عز وجل وذكر الله بالجوارح الركوع، والسجود، والقيام، والقعود في الصلاة، والمشي بالدعوة إلى الله وغير ذلك، فالذكر إذن متعلق بالقلب واللسان والجوارح.
والذي يظهر من حديث عائشة ما يتعلق باللسان؛ أي: أن الرسول - عليه الصلاة والسلام- يذكر الله دائما، وقولها:"على كل أحيانه" يعني: على كل حين يمر به، وهو بمعنى قول القائل: على كل أحواله، يعني: قائما، وقاعدا، وعلى جنبه، كما قال الله ٠ تبارك وتعالى-: {الذين يذكرون الله قيما وقعودا وعلى جنوبهم}[آل عمران: ١٩١].
هذا الحديث أتى به المؤلف رحمه الله في باب نواقض الوضوء ليفيد أنه لا يشترط لذكر الله أن يكون الإنسان على طهارة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحواله، فأما قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي سلم عليه ولم يرد عليه السلام حتى تيمم، ثم رد عليه السلام، وقال:"إني أحببت ألا أذكر الله إلا على طهر". فهذا من باب الاستحباب، وليس من باب الواجب؛ بمعنى: أنه ينبغي للإنسان إذا أراد أن يذكر الله أن يكون على طهر، ولكن لو ذكر الله على طهر فلا إثم عليه ولا حرج علي.
يستفاد من هذا الحديث فوائد:
منها: معرفة عائشة رضي الله عنها بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم، ويتفرع على هذه الفائدة: أن ما روته عن الرسول - عليه الصلاة والسلام- وعارض ما رواه غيرها فإن روايتها تقدم؛ يعني: أن روايتها مرجحة؛ لأنها من أعلم الناس بحال النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنها: فضيلة إدامة ذكر الله والاستمرار فيه؛ لقولها:"يذكر الله على كل أحيانه"، ولا شك أن ذكر الله حياة للقلب بمنزلة الماء تسقى به الثمار، لكن بشرط أن يكون الذاكر ذاكر لله تعالى بلسانه وقلبه.
ومنها: أنه لا يشترط للذكر أن يكون [الإنسان] على طهارة لقولها: "يذكر الله على كل أحيانه".
فإن قال قائل: هل يشمل ذلك ما إذا كان الإنسان على جنابة؟
فالجواب: نعم، يشمل هذا؛ فيجوز للجنب أن يذكر الله بالتسبيح، والتكبير، والتهليل، وقراءة الأحاديث، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وغير ذلك مما يقرب إلى الله تعالى من الأقوال إلا ذكرا واحدا وهو القرآن، فالصحيح أنه لا يجوز للجنب أن يقرأ القرآن، وإن كانت