للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٩٤١ - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةً (رضي الله عنه) قَالَ: قَالَ رَسول الله (صلى الله عليه وسلم): «لا تُزَوّجَ المَرْأَةُ المرأة، وَلا

تزوج المرأة نفسها». رواه ابن ماجه، والدارقطني، ورجاله ثقات.

هذه أحاديث ثلاثة كلها تدور حول شيء واحد وهو رضا الزوجة هل هو شرط أو ليس بشرط، هذه الأحاديث تبين حكم هذه المسألة، فحديث أبي هريرة يقول (صلى الله عليه وسلم): «لا تُنكح الأيم»، أي: لا تزوج حَتَّى تستأمر، والأيم هي التي فقدت زوجها، فهي التي قد تزوجت، وعبّر عنها في الحديث الثاني بالثيب؛ لأنها قد زالت بكارتها بالزوج الأول، «حَتَّى تُستأمر» أي: يؤخذ أمرها، وذلك بأن تقول: نعم زوجوني بفلان، أما البكر فقال: «لا تُنكح البكر حَتَّى تُستأذن»، فيقال: سنزوجك فلانًا، ولا نقول: هل ترغبين؟ هل توافقين؟ هل تأمرين بذلك؟ لا يقال هكذا، بل يُقال: ستزوجك فلانا، ولكن أشكل على الصحابة -رضي الله عنهم- كيف تستأذن يعني: كيف يكون صدور الإذن منها؟ فقال: وأن تسكت، وإنما سألوا هذا السؤال؛ لأن الغالب على البكر الحياء وأنها تخجل أن تتحدث بما يتعلق بالزواج.

فيستفاد من هذا الحديث: تحريم إنكاح الثيب حَتَّى تُستأمر لقوله: «لا تُنكح» لأنه نفي بمعنى النهي، والنفي إذا كان بمعنى النهي زاده تأكيدا، كيف ذلك؟ لأنه إذا صيغ بصيغة النفي فالنفي خبر وليس إنشاء، فكأنه يقول: إن هذا الأمر أمر مفروغ منه لا يمكن أن يقع، ولذلك قال أهل البلاغة: إن إتيان النهي بصيغة النفي أو الأمر بصيغة الخبر يكون أشد تأكيدًا، لأنه بمنزلة أن يُقال: إن المنهي عنه ضار أمرا منتفيًا، وإن المأمور به صار أمرا واقعًا، إذن التحريم أخذناه من كلمة «لا تُنكح».

فإن قال قائل: هذا نفي.

قلنا: هو بمعنى النهي.

فإن قال: ما هي البلاغة، أو ما هي الحكمة في أن يأتي النهي بصيغة النفي؟ فالجواب: لأن هذا أبلغ في التأكيد، كان المنهي عنه صار أمرا منتفيًا لا وجود له.

ومن فوائد الحديث: حكمة الشرع في التفريق بين الثيب والبكر.

ومن فوائده: مراعاة العلل والمعاني في الأحكام، ووجهه: أنه إنما فرق بين البكر والثيب، لأن البكر تستحيي غالبًا ولا تتمكن من المشاورة والائتمار فجعل لها الإذن فقط.

ومن فوائد الحديث: اشتراط الرضا من الزوجة ولو كان المزوج الأب، ووجهه: أن هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>