النهي ليس فيه استثناء، وإذا لم يكن فيه استثناء فالأصل العموم، فالأب لا يزوج ابنته البكر إلا بإذنها ولا الثيب إلا بإذنها كغيره من بقية الأولياء.
ويُستفاد من هذا الحديث بالقياس: اشتراط رضا الزوج، وأنه لو زوج عن إكراه فإن النكاح لا يصح، وهل يمكن أن يزوج عن إكراه؟ يمكن، لأن بعض الناس يُجُبر ابنه على أن يتزوج بنت أخيه -بنت أخ الأب - ويقول: لابد، فإذا أجبره وتزوج ابنة عمه جبرا فإن النكاح لا يصح.
ما تقولون في رجل استأذن ابنته البكر قال: إن فلانا خطبك فهل نزوجك به؟ قالت: نعم أنا لا أطلب إلا مثل هذا الرجل والحمد لله الذي أرشده إلينا هل يزوجها؟ نعم من باب أولى، لكن الظاهرية يقولون: لا يزوجها، لماذا؟ لأن الرسول قال:«إذنها أن تسكت»، وهذه ما سكتت، هذه امرأة تقول: زوجوني ما نزوجها، والأخرى سكتت نزوجها، أيهما أولى؟ الأولى لو استأذنها أبوها فضحكت أو استأذنها فبكت؟ هذا يُنظر، على كل حال: العلماء اختلفوا، فبعضهم قال: إذا ضحكت فإنه ليس بإذن؛ لأنها قد تضحك تعجبًا من حال أبيها، فيكون الضحك ضحك استنكار وليس ضحك إقرار، ومنهم من قال: إن هذا إذن، لأن الضحك يدل على الانبساط والفرح والسرور فهو أبلغ من السكوت، التي بكت هل هو أقرب للمنع أو للإذن؟ الظاهر أنه للمنع أقرب لكن مع ذلك يقول الفقهاء -رحمهم الله- ولو ضحكت أو بكت فهو إذن، لكن يظهر أنها إذا بكت فإنها لا تريد أن تتزوج، وقد يكون البكاء من الفرح، ولكن الأقرب أنه ليس بإذن، لكن لو قال: أنت لا تبكين ماذا تقولين؟ فسكتت حينئذ يكون إذنا.
الحديث الثاني -حديث ابن عباس - قال النبي (صلى الله عليه وسلم): «الثيّب أحق بنفسها من وليها» يعني: أنها يُرجع إليها في النكاح، وتُشاور مشاورة دقيقة، فلا يكفي أن يُقال خطبك فلان، فهل تأذنين بالتزويج، لا، فلابد أن تُستأمر ويكشف لها الأمر، فيقال مثلاً: هو شاب أو شيخ عالم أو جاهل، غني أو فقير، ذا شرف أو ليس ذو شرف، يعني: يبين لها الأمر تمامًا؛ لأنها أحق بنفسها، ولهذا لا تزوج حَتَّى تُستأمر، أما البكر يقول: تُستأمر، أي: تُستأذن، والدليل قوله:«إذنها سكوتها»، ولم يقل: وأمرها سكوتها، بل قال: إذنها وهذا التفسير يدل على أن المراد بقوله: