نفسه اعتمادًا على ما رَوَاهُ ابن عمر، وكذلك نقول بالنسبة إلى مالك مع نافع كما أنت الآن تقول: يا فلان، لا تقصد السوء فإنما الأعمال بالنيات ... إلخ، هذا يُحمل على أنه من قولك لكنه من قول الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فابن عمر إذا فسره ثم رواه عنه نافع ثم قاله متحدثا به لا يُقال: إن هذا يعارض أن يكون من قول ابن عمر؛ لأنه من الجائز أن يتحدث به نافع دون أن يسنده إلى ابن عمر فيسمعه سامع فيظنه من قول نافع، وكذلك نقول بالنسبة لمالك مع نافع، على كل حال: لم يرد عن النبي (صلى الله عليه وسلم) - فيما أعلم- أنه فسر الشغار بهذا، ولكن نقول: إذا فسره الصحابي فهو أعلم الناس بمراد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، لأنه عاصره وفهمه ولاسيما ابن عمر (رضي الله عنهما) فإنه كان من أحرص الناس على حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ولهذا نجد أعلم الناس بكلامه أخصهم بصحبته.
إذن نقول: لو كان هذا من تفسير ابن عمر (رضي الله عنهما) فإنه هُوَ المتعين لأن ابن عمر صحابي،
والصحابة أعلم الناس بمراد رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
يقول: وأن يزوج الرجل ... » إلخ، «يزوجه علي»، «علي» تدل على أنه مشترط، يعني: أن النكاح الثاني شرط للنكاح الأول، وقوله في الحديث:«ابنته»، هذا ليس خاصا بالبنت، بل على سبيل التمثيل، فلو زوجه أخته على أن يزوجه أخته فهو شغار، زوجه أخته على أن يزوجه ابنته شغار هذا على سبيل التمثيل، ولهذا جاءت عبارة الفقهاء - رحمهم الله- أن يزوجه وليته على أن يزوجه الآخر وليته وهي أعم من ابنته، لكن ابنته أوضح، لكن وليته ابحث من وليته، ولهذا غالبًا تجد عبارات السلف وكل من كان من الرسول أقرب تجدها سهلة يسيرة مبسطة تصورها سهل بخلاف عبارات المتأخرين ففيها شيء من التعقيد وإن كان فيها شيء من الشمول، لكن عبارات السلف أصلح وأوضح وأبين.
يقول:«وليس بينهما صداق»، وهو المهر، وسُمّى صداقًا؛ لأن بذله لطلب المرأة دليل على صدق الطالب المال محبوب إلى النفوس ولا يبذل المحبوب إلا للوصول إلى ما هُوَ أحب؛ لأنه لا يمكن أن يُبذل المحبوب لطلب المكروه، ولا يمكن أن يُبذل المحبوب لطلب محبوب مثله؛ لأنه يكون عبثًا، إنما لا يبذل المحبوب إلا لطلب ما هو أحب إما عينا وإما جنسا وإما وصفا، المهم: لابد أن يكون هناك مُرجحًا، ولهذا سمي الصداق صداقًا، لماذا؟ لأنه دليل على صدق الطالب كما سميت الصدقة صدّقة؛ لأنها دليل على صدق باذلها وأنه يريد ثواب الله، تصورتم الآن الشغار، يقول: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك، فقال: قبلت، ثم زوّجه! هذا شغار بشرط ألا يكون بينهما صداق، ووجه النهي عنه ظاهر جدا، لأن الله تعالى قال:{وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم}[النساء: ٢٤]. وفرج المرأة ليس مالاً، وهذان الرجلان جعلا بضع كل واحدة من المرأتين مهرا للأخرى وهذا لا يصح، هذا وجه.