ومن فوائد الحديث: الإشارة إلى سد الذرائع كقوله: «ولا يخطب»، وظاهر الحديث أنه لا تجوز الخطبة تصريحا ولا تعريضا، وقد يقول قائل: إن الخطبة الكاملة هي الصريحة، وأن التعريض لا بأس به مثل أن يصادف رجل آخر وهو مُحرم ويقول مثلاً لا تفوتني ابنتك، أو أنا أرغب في مثل ابنتك، هذا يُسمى عند العلماء تعريضًا، ولكن لا شك أن الأحوط هو ألا يخطب لا تعريضًا ولا تصريحًا.
أما حديث ابن عباس فإنه يقول (رضي الله عنهما): إن النبي (صلى الله عليه وسلم) تزوج ميمونة وهو مُحرم، ميمونة بنت الحارث، وهي خالة عبد الله بن عباس.
وقوله:«وهو محرم» جملة حالية في محل نصب من فاعل تزوج وهو النبي (صلى الله عليه وسلم) تزوجها وهو مُحرم بالعمرة، ولمسلم عن ميمونة نفسها التي عقد عليها النكاح أن النبي (صلى الله عليه وسلم) تزوجها وهي حلال، ويوجد حديث آخر رواه أبو رافع (رضي الله عنه)، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) تزوج ميمونة وهو حلال قال «وكنت السفير بينهما»، يعني: الواسطة، فهنا تعارض حديث ابن عباس المتفق عليه مع حديث ميمونة الذي رواه مسلم وحديث أبي رافع، فاختلف العلماء (رحمهم الله) في الترجيح بينهما؛ فمن العلماء من رجح حديث ابن عباس من وجه واحد فقط من حيث السند؛ لأنه متفق عليه، هناك أيضا وجه آخر: أن ميمونة خالته فهو من أعلم الناس بها، ومنهم من رجّح حديث ميمونة من ثلاثة أوجه:
الأولى: أنها صاحبة القصة، ومعلوم أن صاحب القصة أدرى بها من غيره.
الوجه الثاني: أنها يُؤيدها حديث أبي رافع وهو السفير الواسطة بينهما.
الوجه الثالث: أنه الموافق لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): «لا ينكح المحرم»، والأصل عدم الخصوصية، فإذا كان الأصل عدم الخصوصية فإن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يتزوج وهو مُحرم؛ لأن الأصل أن الثابت للأمة ثبت له، وما ثبت له ثبت للأمة إلا بدليل، وهذا القول الثاني هو الصحيح أن النيي (صلى الله عليه وسلم) تزوجها وهو حلال.
فإذا قال قائل: ماذا نصنع بحديث ابن عباس؟
قلنا: ابن عباس لم يطلع على أنه تزوجها إلا بعد أن أحرم النبي (صلى الله عليه وسلم) فظن أنه تزوجها وهو مُحرم فروى ما بلغه ولم يبلغه قبل ذلك أنه تزوجها وهو حلال، فالصواب: أنه تزوجها وهو حلال، وابن عباس لم يطلع على ذلك إلا بعد أن أحرم، على هذا لا تثبت الخصوصية للرسول (صلى الله عليه وسلم) في ذلك، أي: في جواز نكاحه وهو مُحرم، أما على من رجّح حديث ابن عباس فإنه يقول: هذا من خصائص النبي (صلى الله عليه وسلم)، وقد خص (صلى الله عليه وسلم) بمسائل كثيرة في النكاح.