لدينا قاعدة مفيدة لطالب العلم وهي أن ما نهي عنه لذاته لا يكون صحيحاً ولو فعله الإنسان، فلو أراد شخص أن يصلي في أوقات النهي صلاة لا سبب لها فصلى صلاة خاشعاً فيها مطمئناً لا تصح الصلاة، وكذلك لو أن الإنسان عقد نكاح متعة لا يصح النكاح، كل شيء نهي عنه لذاته فإنه لا يصح، لو باع الإنسان بعد نداء الجمعة الثاني لا يصح البيع ولا ينتقل فيه الملك، بل يبقى المبيع ملكاً للبائع والثمن ملكاً للمشتري. فإذا قال قائل: ما الحكمة؟ لماذا لا تقولون إذا فعل المنهي عنه فهو آثم والعقد الصحيح؟ فالجواب: أن في تصحيح العقد مضادة لله ورسوله، لأن تحريم الشرع له يريد من الأمة ألا يبقى له كيان، وإذا صححناه أبقينا له كيانا وصار معتبرا، ويظهر هذا بالمثال: إذا باع شخص بيتاً على إنسان بعد نداء الجمعة الثاني البيع حرام، العقد باطل غير صحيح، لو قلنا: إن البيع حرام والمتعاقدان يأثمان، ولكن العقد نافذ وصحيح صار هذا مضادة للشيء، لأن الشرع إنما نهاك لئلا تعقد ولئلا ينتقل الملك إلى المشتري في المبيع وملك الثمن إلى البائع، فإذا صححناه فهذا ضد ما أراد الشارع. إذن القاعدة: كل ما نهي عنه لذاته من عبادة أو معاملة إذا وقع من المكلف فهو غير صحيح. ومن فوائد الحديث: تحريم لحوم الحمر الأهلية حتى ولو كانت صغيرة ولو سمينة، لو اضطر الإنسان إليها جاز الأكل لكن بقدر الضرورة، ودليل ذلك قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ اليوم الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[المائدة: ٣]. وإذا كان الخنزير وهو أخبث من الحمار يجوز عند الضرورة فالحمار من باب أولى، نحن قلنا: الخنزير أخبث من الحمار، لأن الخنزير لم يأت عليه يوم من الدهر وهو طاهر حلال، والحمار قد أتى عليه يوم من الدهر وهو طاهر حلال.
٩٥٤ - وعن ربيع بن سبرة عن أبيه (رضي الله عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: «إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً». أخرجه مسلم وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وأحمد، وابن حبان.