بالمنظور منها لا بالمنتظر، أنت غير مكلف بأمر غيبي، أنت مكلف بشيء بين يديك، ومن هنا نعرف جواباً لسؤال يقع كثيراً: يخطب الرجل امرأة ملتزمة وهو غير ملتزم وتحب أن تتزوج به وتقول: لعل الله أن يهديه على يدي، وهذا عمل بمنتظر ما ندري، المنظور الذي أمامنا أنه غير ملتزم فإذا قالت: لعل الله أن يهديه على يدي، قلنا: ولعل الله أن يضلك على يديه كله متوقع، وكونك تضلين على يديه أقرب من كونه يهدي على يديك، لأن المعروف أن سلطة الرجل على المرأة أقوى من سلطتها عليه، وكم من إنسان يضايق الزوجة لما يريد حتى يضطرها إلى أن تقع فيما يريد دون ما تريد، وهذا شيء مشاهد مجرب، أهم شيء عندي أن نعرف أن الإنسان مكلف بما ينظر لا بما ينتظر، ويتفرع على هذه القاعدة المفيدة: لو أن ولياً لمال اليتيم رأى أن من المصلحة أن يشتري له عقاراً، لأن العقارات في ارتفاع، فاشترى له عقارا بخمسمائة ألف وبعد سنتين أو ثلاث نزل إلى مائة ألف، فهل نقول لهذا الرجل: أنت فرطت؟ نعم، لأن الإنسان ليس له إلا النظر في الحاضر، أما المستقبل فأمره إلى الله، ولو أن الإنسان نظر إلى الاحتمالات التي يمكن أن تكون في المستقبل ما فعل شيئا لكن الحمد لله:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا}. ومن فوائد الحديث: أنه يجب للمستشار أن يذكر العيوب فيمن استشير فيه وهو إذا فعل ذلك يكون مأجوراً مثاباً على ذلك ثواب الواجب، لا يقول: أنا لا أريد أن أقطع رزقه، نقول: لا بأس اقطع رزقه ما دام في هذا نصيحة لأخيك المسلم فأنت مأجور. ومن فوائد الحديث: خبرة النبي (صلى الله عليه وسلم) بأصحابه؛ لأن هذه مسائل دقيقة، والرسول (صلى الله عليه وسلم) له مشاغل كثيرة إمام رسول قائد مبلغ، كل الأمة شئونها متعلقة به ومع ذلك لا يخفي عليه كثير من أحوالهم، يعرف النسب ويعرف الأحوال، وسبحان الذي ألهمه. ويتفرع على هذه الفائدة: أنه ينبغي للإنسان أن يكون خبيراً بأهل زمانه؛ لأنه قد يحتاج إلى هذه الخبرة، وإذا احتاج إليها ثم سأل عنها فربما لا ينصح له بإعطاء الحقيقة، وكم من إنسان سأل عن شخص فجعلوه فوق الثريا وهو تحت الثرى، لاسيما في عصرنا الحاضر يوجد ناس يبيعون ذممهم بكل رخيص تسأله عن فلان يقول: ما شاء الله قانت آناء الليل ساجداً وقائماً، حسن الأخلاق وهو يناضح الريح ويهوشها إذا هبت، يعني: ينبغي ولاسيما الذي يتولى أمور الناس أن يكون عالماً بأحوالهم. ومن فوائد الحديث: أنه يجوز للحرة أن تنكح المولى، الدليل: أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أشار عليها وهي حرة من قبائل العرب أن تتزوج أسامة بن زيد وهو من الموالي، وهذا مما يدل على أن الحديث الأول منكر كما قال أبو حاتم؛ لأنه خالف الأحاديث الصحيحة. ومن فوائد الحديث: أن الأخلاق والدين مقدمة على غيرها؛ لأن أسامة (رضي الله عنه) أقوى وأنفع بالنسبة لهذه المرأة من معاوية ومن أبي جهم.