باب الوشم والوشر والتفليج للأسنان؛ لأن الأخير تجميل والأول إزالة عيب, فرق بين التجميل وإزالة العيب, ولهذا أذن النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قطع أنفه أن يتخذ أنفاً من ورق ثم أنتن فأذن له أن يتخذ أنفاً من ذهب, وما دمنا في هذا فإنكم ستجدون في كتب الفقهاء -رحمهم الله- أنه يحرم قطع البواسير, لماذا؟ لأنها في عهدهم خطر, أما الآن فأصبحت سهلة جداً وليس فيها خطورة, تجدون في بعض الكتب أنه يحرم شق البطن لخياط الفتق؛ لماذا؟ لأنه في ذلك الوقت خطر ربما ينزف دما ويموت, أما الآن فأصبح الأمر سهلاً ميسراً, تجدون في كتب الفقهاء أنه يحرم قطع الإصبع الزائدة -الإصبع السادس- لماذا؟ للخطورة, أما الآن فالأمر -ولله الحمد- سهل. وعلى هذا فنقول: الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً, فما دام الخطر قد زال فإن هذه الأشياء التي ذكرها العلماء أنها حرام تكون مباحة جائزة.
نعود للحديث: لماذا قالت اليهود أنه يكون أحول فنزلت: {نساؤكم حرث لكم .. } تكذيبًا لليهود, ووجه كونه تكذيبًا: أن الله لما أباح أن نأتي هذا الحرث أنى شئنا دل على أنه لا عقوبة على ذلك؛ لأن كون الولد أحول عقوبة والمباح ليس عليه عقوبة. قال: "فنزلت: {نساؤكم حرث لكم} أي: محل حرث لكم, محل زراعة, كما أن الأرض حرث للإنسان يضع فيها الحب ويخرج النبات, كذلك المرأة حرث للرجل يضع فيها النطفة فيخرج الولد بإذن الله عز وجل, وقوله: {أنى شئتم} الظاهر أن "أنى" هنا ظرف مكان, أي: من حيث شئتم مقبلين ومدبرين وعلى جنب المهم أن يكون الإتيان في القبل هذا معنى الحديث. أما فوائد الحديث فهي متعددة منها: أن اليهود عندهم من الدعاوى ما لا أصل له كهذه المسألة, ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم إذا حدثنا بنو إسرائيل ألا نصدقهم ولا نكذبهم, وأخبار بني إسرائيل تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما شهد الشرع بصدقه الكتاب أو السنة, فهذا حق ومقبول.
والقسم الثاني: ما شهد بكذبه فهو مردود.
والثالث: ما لم يشهد بكذبه ولا صدقه, فالواجب التوقف فيه, ولكن لا حرج أن نحدث به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن بذلك؛ لأن التحدث بهذا لا يضر, وقد ينفع قد يكون به مواعظ للإنسان ينتفع لكنه لا ضر؛ لأن شرعنا لم يشهد بكذبه.