للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن فوائد الحديث: أن القرآن كلام الله عز وجل لقوله: "فنزلت", من أي مكان نزلت؟ من فوق؛ لأن النزول إنما يكون من أعلى, فإذا كانت من فوق وهو كلام منسوب إلى الله عز وجل دل هذا على أن القرآن كلام الله, وهل هو كلامه حرفاً ومعنى, أو معنى فقط؟ حرفا ومعنى, تكلم به عز وجل بحروفه, وهل هو مسموع؟ نعم, مسموع سمعه جبريل ونقله إلى قلب النبي صلى الله عليه وسلم, ومر علينا في درس التوحيد أن من أهل البدع من يقول: إن كلام الله معنى قائم بنفسه وليس شيئًا يسمع أو يكون بالحروف, وهذا مذهب الشاعرة الذين يدعون أنهم يتبعون أبا الحسن الأشعري, وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية بطلان هذا المذهب من تسعين وجها في مؤلف يسمى "التسعينية", وهي موجودة في مجموع الفتاوى القديمة, فيه من يقول: أن القرآن مخلوق, ويقول: كل كلام الله مخلوق منفصل بائن منه وليس من صفاته, وهذا مذهب المعتزلة والجهمية وهم إلى المعقول أقرب من الأشاعرة؛ لأن الأشاعرة يقولون: أن الكلام هو المعنى القائم في النفس, والمعنى القائم في النفس لا يسمى كلامًا, ثم يقولون: ما سمعه جبريل أو محمد صلى الله عليه وسلم أو ما كتبه الناس في المصاحف فهو مخلوق, المعتزلة يقولون: لا, هو كلام الله لكنه مخلوق, وهم يقولون مخلوق عبارة عن كلام الله.

ومن فوائد الحديث: أن الآيات القرآنية تنقسم إلى قسمين: قسم ابتدائي نزل ابتداء وهو أكثر آيات القرآن, وقسم سببي, أي: نزل لسبب وهذا قليل لكنه موجود والعلم بالسبب - أي: بسبب نزول الآية- له فوائد من أهمها: أنه يعين على فهم المعنى, فنحن مثلاً إذا قرأنا قوله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما} [البقرة: ٥٨]. نفهم من هذا أن الطواف بهما من قسم المباح الذي ليس فيه جناح, ولكننا إذا فهمنا السبب عرفناه المعنى, السبب أنه كان على الصفا والمروة صنمان, فكل الناس يتحرجون من الطواف بهما من أجل الصنمين, فأنزل الله عز وجل هذه الآية {إن الصفا ... }. إذن نفي الجناح نفي لما يتوهمه الناس من أن الطواف بهما في حرج من أجل الصنمين, على هذا ينبغي لنا أن نعتني بمعرفة أسباب النزول, وهذا موجود -الحمد لله- من المفسرين من يذكره عند تفسير كل آية, ومن المفسرين من ألف كتباً مستقلة في بيان أسباب النزول.

ومن فوائد الحديث: أن المرأة للرجل بمنزلة أرض الحرث لقوله: {حرث لكم}. ومن فوائده: أن مسألة الجماع يرجع فيها إلى الزوج لا إلى الزوجة, بمعنى: أنه إذا أراد أن يجامع أو لا يجامع فالأمر إليه كما أن الأمر في الحرث إلى الزارع؛ ولهذا إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح, لكن إذا دعته هي وأبي لم يحصل عليه هذا الإثم, نعم عليه أن يجامعها بالمعروف أو في كل أربعة أشهر مرة عند الفقهاء, يعنى:

<<  <  ج: ص:  >  >>