ومن فوائد الحديث: أن الطلاق له كنايات؛ لأن قوله هنا:«فطلقها» تعبير عن قوله: «الحقي بأهلك» فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لها لما استعاذت منه بالله: «الحقي بأهلك»، وكنايات الطلاق كل لفظ يحتمل الطلاق وغيره فهو كناية ولا يقع به الطلاق إلا بنية الطلاق فقول الإنسان لأهله:«الحقي بأهلك» يحتمل أنه أراد الطلاق، أو أراد أن تلحق بهم للزيارة أو أراد أن تلحق بهم ليطفئ نار غضبه حتى يهدأ لئلا يقع بينهما ما يكره أو ما أشبه ذلك ويحتمل أنه أراد الطلاق، فنقول: إن نوى الطلاق صار طلاقًا، وإن لم ينوه لم يكن طلاقًا؛ وذلك لأن اللفظ يحتمل الطلاق وغيره، فلا يتعين الطلاق إلا بالنية واختلف العلماء هل ظاهر الحال يعين المعنى أو لا؟ يعني: لو قال هذه الكلمة أو غيرها من الكنايات في حال غضبه، فإن دلالة الحال تدل على أنه أراد الطلاق مع أنه يحتمل أنه لم يرده لكن ظاهر الحال يدل على أنه أراد الطلاق، وكذلك لو قالت: طلقني، فقال: الحقي بأهلك، ولم ينو شيئًا هل يقع الطلاق أو لا؟ نقول: ظاهر الحال أنه أراد الطلاق؛ لأنها سألت الطلاق فقال:«الحقي بأهلك» مع أن فيه احتمالًا أنه لم يرد الطلاق، وأنه قال: فارقي كلمة زجر، وهي عندنا الآن في عرفنا كلمة فارقي كلمة زجر، فيحتمل أنه أراد زجرها ويُحتمل أن قوله:«الحقي بأهلك» يعني: يريد أن تذهب إلى أهلها لتطيب نفسها ويذهب غضبها.
أقول: اختلف العلماء فيما إذا كان ظاهر الحال يدل على إرادة الطلاق هل يقع الطلاق؟ في هذا للعلماء قولان: الأول: أنه يقع الطلاق اعتبارًا بظاهر الحال، والقول الثاني: أنه لا يقع إلا بالنية؛ لأن الأصل أن العصمة باقية وأن الزوجة زوجته حتى يقوم دليل بيِّن على إرادة الطلاق، ومن القواعد المقررة أن اليقين لا يزول بالاحتمال، وما هو اليقين هنا؟ العصمة وبقاء النكاح، فلا يزول بالاحتمال، إذن نقول: القول الراجح أنه لا يكون طلاقًا إلا بالنية، وقال بعض العلماء: يكون طلاقًا ما لم ينو غيره يكون طلاقًا عملًا بظاهر الحال إلا أن يريد غيره إن أراد غيره لم يكن طلاقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى»، وهذا القول ربما يرجح عند المحاكمة يعني إذا أتوا إلى القاضي فالقاضي يقول أنا ليس لي إلا الظاهر وظاهر الحال يقتضي أنه أراد الطلاق أما إذا كان فيما بين الزوج والزوجة وقال لها: أنا لم أرد الطلاق وصدَّقته في ذلك فلا يقع الطلاق، وسيأتي المزيد في باب الطلاق.
ومن فوائد الحديث: أن المطلقة تمتع لقوله: «أمر أسامة» أو «أمر أسيد بن حضير» كما في الرواية الأخرى، على كل حال: المطلقة تمتع، والمتعة نوعان: متعة واجبة ومتعة غير واجبة؛ أي: سنة، فالمتعة الواجبة هي ما وجب بالطلاق قبل الدخول والخلوة إذا لم يسم لها صداقًا؛ لأنه إن سمى لها صداقًا وجب لها نصف الصداق، وإن دخل أو خلا وجب لها مهر المثل وإن