فيُستفاد من هذا الحديث: أن الوليمة تصح بأدنى من الشعير, وأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف: «أولم ولو بشاةٍ» يعني: أكثر ما يُولم وليس أقل كما زعم بعض أهل العلم, حيث ذهبوا إلى أن أدنى الوليمة هي الشاة, نقول: هذا غير صحيح, لأن قوله: «أولم ولو بشاة» يعني: أدنى شيء وليست هي أكثر شي, يستفاد من كونها أدنى شيء ليس على سبيل الوجوب بل يجوز أن يولم الإنسان بما هو أدنى منها ويلاحظ في ذلك حال المولم إن كان غنياً قلنا: أولم ولو بشاة, وإن كان دون ذلك قلنا أولم بما تستطيع وتقدر عليه.
ومن فوائد الحديث: مشروعية الإيلام, لكن هل يكون على سبيل الوجوب أو الاستحباب؟ نقول: هذا فعل من رسول الله صلى الله عليه وسلم, والفعل المجرد محمول على الاستحباب, لكن وجوب الوليمة يؤخذ من أدلة أخرى.
١٠٠٣ - وعن أنس رضي الله عنه قال: «أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليالٍ يُبنى عليه بصفية, فدعوت المسلمين إلى وليمته, فما كان فيها من خبز ولا لحم, وما كان فيها إلا أن أمر بالأنطاع فبسطت, فألقي عليها التمر, والأقط, والسمن». متفق عليه, واللفظ للبخاري.
قوله: «أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة» , خيبر اسم لمكان فيه مزارع وبيوت وقلاع لليهود, يبعد عن المدينة نحو مائة ميل من جهة الشمال الغربي, وهو معروف, فتحه النبي صلى الله عليه وسلم في السنة السادسة, وطلب منه اليهود أن يبقيهم فيه على أن يكون لهم نصف الثمرة وله نصف الثمرة, فأقرهم على ذلك, لكنه أقرهم على ذلك ما شاء الله أو ما شاء النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة, وفي خلافة عمر أجلاهم من خيبر؛ لأنهم اعتدوا على عبد الله بن عمر وأساءوا إلى الصحابة فطردهم عمر.
وقوله: «يُبنى عليه بصفية» , صفية بنت حيي بن أخطب وهي من ذرية هارون بن عمران فعمها موسى -عليه الصلاة والسلام-, وحيي بن أخطب أبوها من زعماء اليهود, فاصطفاها النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه جبراً لقلبها؛ لأن كون أبيها رئيساً لو أنها صارت إلى أحد من الصحابة لكان في هذا كسر لخاطرها, فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يجبر قلبها فاصطفاها لنفسه.
وقيل: «يبنى عليه بصفية» كيف سُمي هذا بناء وهي مملوكة؟
نقول: لأن النبي صلى الله عليه وسلم عتقها صداقها, إذن فهي زوجة من أمهات المؤمنين, وقوله: «يبنى عليه بها» , البناء: نصب الخيمة ونحوها, وكان النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم قد بُني عليه خيمة يدخلها هو وأهله.