للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من قال: أن الأكل باليمين سنة وليس بواجب, وأن الإنسان لو أكل بشماله لم يأثم, لأن الأمر ليس للوجوب, ومن العلماء من قال: إن الأمر للوجوب «كل بيمينك» وعلل هذا بأن الأصل في الأمر الوجوب, وبأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأكل بالشمال فقال: «لا يأكل أحدكم بشماله ولا يشرب بشماله» , وبأن هذا من إتباع خطوات الشيطان, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله» , وهذا القول أصح من القول بأن الأمر بالأكل باليمين على سبيل الاستحباب, فالصواب وجوب الأكل باليمين, وأنه لا يجوز الأكل باليسار إلا لضرورة, وأقبح من ذلك أن يمنعه الأكل باليمين الكبرياء, فإنه إن فعل ذلك استحق أن يدعى عليه, لأن رجلاً أكل عند النبي صلى الله عليه وسلم بشماله فقال له: «كل بيمينك» , قال: لا استطيع ما منعه إلا الكبر, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا استطعت» فما رفع يده اليمنى إلى فيه بعد ذلك شُلت, ولا يدعو النبي على شخص إلا لأنه فعل إثماً ومعصية, وأقبح من ذلك أيضًا أن يأكل باليسار تشبهاً بالكفار واعتقاداً أن هذا هو المدينة منا يفعله بعض الناس الذين غرتهم أحوال الكفار وظنوا أنهم لم يستطيعوا أن يصنعوا الطائرات والقنابل إلا من أجل أنهم يأكلون بالشمال! ! فظن أن هذا هو التقدم فصار يأكل بشماله تقليداً لهم, وهذا يزيده قبحاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ومن تشبه بقوم فهو منهم».

وقوله: «وكل مما يليك» هو أيضًا أمر, يعني: كل مما يليك إلا الذي يلي صاحبك, هذا الأمر الظاهر أنه للاستحباب كما عليه جمهور العلماء إلا أن يحصل من ذلك أذية ومضايقة على شريكك في الأكل فهنا يتوجه وجوب الأكل مما يليك لأنه من المعلوم أن لو تخطت يده إلى جهة شريكه وأكلت مما يلي الشريك ربما يتقزز من هذا أو يتأذى, فالأصل أن الأمر للاستحباب ما لم يكن بذلك أذى لشريكك فيجب أن تأكل مما يليك.

ويستثنى من ذلك إذا كان الطعام أنواعاً مثل أن يكون على الصحفة لحم ولوبيا وبامية فتجاوزت مما يليك إلى هذه الأشياء لتأكل منها ذلك لا بأس به لقول أنس: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع الدبُاء» , وهو القرع فيأخذها, وهذا لا شك أنه مما لا يمكن الوصول إلى ما تريد إلا بهذا, فإذا كانت اللحم من الجانب الذي يلي صاحبك وقلنا: كل مما يليك ماذا يقول؟ يقول: ما عندي شيء الذي أريده مما يلي صاحبي, فهو في هذه الحال يكون معذوراً ولا حرج عليه, فإن كان صاحبك لا يهتم بأنك تأكل مما يليه بل يرغب في ذلك ليأكل مما يليك فما الحكم؟

<<  <  ج: ص:  >  >>