للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء بدأ يأخذ الدباء ويضعها أمام النبي صلى الله عليه وسلم, وهذا من كمال أدبه لأجل أن يكفي النبي صلى الله عليه وسلم المؤنه والتعب.

ما قلنا من وجوب التسمية ووجوب الأكل باليمين ووجوب الأكل مما يليه فيه نزاع بين العلماء؛ لأن من العلماء من يرى أن هذه الأمور مستحبة وليست بواجبة بناءً على القاعدة التي ذكرناها سابقاً, وهي أن الأوامر في الأخلاق والآداب للاستحباب بخلاف الأوامر في العبادات الأصل فيها الوجوب, وقلنا: إن هذا الأصل جيد جداً, وإن الإنسان يتخلص به من أمور حرجة يحرج بها, لو قيل: الأمر للوجوب حتى في الأخلاق والآداب, ولكن نحن لم نعتمد على مجرد الأمر في هذا, ولكن اعتمدنا على قرائن تفيد أن الأمر للوجوب: القرينة الأولى في عدم التسمية مشاركة الشيطان, والثانية: الأكل باليمين له قرينة تدل على وجوبه ذلك لأن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله, والثالثة: له قرينة تدل على الوجوب وهي تأذي الغير وإحراجه ومضايقته.

ومن فوائد حديث ابن عباس: أن الصحابة -رضي الله عنهم- كان من عاداتهم إكرام النبي صلى الله عليه وسلم بإهداء الطعام إليه لقوله: أتي بقصعة, لأن الظاهر أن هذه القصعة أتت من غير أهله, لأن ذلك كان من عادة الصحابة أنهم يهدون إلى النبي صلى الله عليه وسلم الطعام واللبن.

ومن فوائد الحديث: الإشارة بل مشروعية الأكل من جوانب القصعة لقوله: «كلوا من جوانبها» , وهل الأمر للوجوب؟ نقول: ظاهر التعليل أن الأمر للوجوب, لأنه قال «فإن البركة تنزل في وسطها» , فإذا أكلت من الوسط نزعت البركة, ومعلوم أن نزع البركة نوع من العقوبة, فإن كان الإجماع على عدم الوجوب فلا عدول لنا عنه, لأنه لا يمكن أن نخالف الإجماع, وإن كان في المسألة قول: أن الأكل من الجوانب للوجوب, وأن الأكل من وسط الصحفة محرم, فهذا القول هو الذي يقتضيه الحديث.

ويستثنى من ذلك ما لو دعت الحاجة إلى الأكل من الأعلى, مثل: أن يكون الجوانب حارة والأعلى بارد, ولا يتمكن الإنسان من أكل الحار, وهذا يكون كثيراً فيما يعرف عندنا بالأكلة المفضلة نحن -أهل القصيم- وهي "الحنينة" وهي عبارة عن تمر مخلوط بالخبز يحمى على النار ثم يوضع فيه دهن.

على كل حال: إذا دعت الحاجة إلى الأكل من الأعلى فلا بأس.

ومن فوائد الحديث: أن من الأمور التي جاء بها الوحي ما لا تدركه العقول وهو أن البركة تكون في وسط الصحفة, لأن هذا لا ندري عنه لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بذلك لكنا لا نعلم عن هذا شيئاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>