وفيه أيضًا أن المعاشرة التي تدوم هي المعاشرة المبنية على العدل, لأن الإنسان إذا جر وظلم وأجنف فإنه سيكون رد فعل من المظلوم الذي جير عليه, ويحصل بذلك النكد بين العائلة.
واختلف العلماء هل القسم واجب على النبي صلى الله عليه وسلم أو هو تطوع منه؟ فقال بعضهم: إنه واجب عليه, لعموم الأدلة الدالة على وجوب القسم بين الزوجات, والأصل أن النبي صلى الله عليه وسلم داخل في عموم خطابه, وقال بعض العلماء: لا يجب لقوله تعالى: {ترجى من تشاء منهن وتأوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك} [الأحزاب: ٥١].
فقال: إن الله خيره قال: {ترجى} {تأوي} , {ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح} يعني لا جناح أن ترجع عن الأولى التي عزلتها, والذي يظهر أن الله خيره, لكنه اختار الأكمل وهو القسم, ولهذا كان في مرض موته يتنقل بين زوجاته ويقول: أين أنا غدا؟ ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم جعل القسم في حقه غير واجب لاختار من يختار من نسائه بدون أن ينتظر يومها, ولما علمت نساؤه أنه يريد عائشة أذن له أن يمرض في بيتها, رضي الله عنهن وجزاهن عنه وعنا خيراً, فأذن له فصار صلى الله عليه وسلم عند عائشة ومات في يومها, صادف موته في اليوم الذي هو يومها وفي بيتها وفي حجرها, وآخر ما طعم النبي صلى الله عليه وسلم من الدنيا ريقها رضي الله عنها لأن أخاها عبد الرحمن دخل والنبي صلى الله عليه وسلم في سياق الموت وكان معه سواك فمد النبي صلى الله عليه وسلم إليه بصره, قالت: فعرفت أنه يريد السواك, وكانت قد حضنته على صدرها فقلت: آخذه لك يا رسول الله؟ فأشار برأسه يعني: خذيه, فأخذته وقضمته, يعني: قطعت منه ما كان متلوثاً من قبل حتى طيبته ثم أعطته النبي صلى الله عليه وسلم فأستاك به, قالت: فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم تسوك سواكاً أحسن منه, وهذا من رحمة الله به عز وجل أن خرج من الدنيا وهو على أكمل ما يكون من طيب الرائحة لأن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب, فكانت عائشة تفتخر بنعمة الله علها في هذه المناسبة أن الرسول مات وهو بين حاقنتها وذاقنتها وهي مستندة إلى صدرها ومات في يومها وفي بيتها, وأخر ما طعم من الدنيا ريقها رضي الله عنها.
ومن فوائد الحديث: أن ما لا يملكه الإنسان لا يلام عليه, لقوله: «فلا تلمني فيما تملك ولا أملك» , ولكن ربما ينازعنا منازع في أخذ هذه الفائدة, ويقول أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا أن الله لا يلومه ولو كان غير مكلف به ما احتاج إلى الدعاء, ولكننا نقول إنه قال ذلك وإن كان محققاً فإن