فقد بين الله له، ومن خالف، فإنا لا نطيق خلافه" ولو وقع طلاق المخالف لم يكن الإفتاء به غير مطاق لهم، ولم يكن للتفريق معنى إذ كان النوعان واقعين نافذين.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه أيضًا: من أتى الأمر على وجهه فقد بين الله له، وإلا فوالله ما لنا طاقة بكل ما تحدثون.
وقال بعض الصحابة- وقد سئل عن الطلاق الثلاث مجموعة-: من طلق كما أمر، فقد بين له، ومن لباس، تركناه وتلبيسه.
قالوا: ويكفي من ذلك كله ما رواه أبو داود بالسند الصحيح الثابت: حدثنا أحمد ابن صالح، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عروة يسأل أبن عمر قال أبو الزبير وأنا أسمع: كيف ترى في رجل طلق أمرأته حائضًا؟ فقال: طلق ابن عمر امرأته حائضًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض، قال عبد الله: فردها علي ولم يرها شيئًا، وقال: "إذا طهرت فليطلق أو ليمسك"، قال ابن عمر: وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن} في قبل عدتهن، قالوا: وهذا إسناد في غاية الصحة، فإن أبا الزبير غير مدفوع عن الحفظ والثقة، وإنما يخشى من تدليسه، فإذا قال: سمعت، أو حدثني، زال محذور التدليس، وزالت العلة المتوهمة، وأكثر أهل الحديث يحتجون به إذا قال: "عن" ولم يصرح بالسماع، ومسلم يصحح ذلك من حديثه، فأما إذا صرح بالسماع فقد زال الإشكال، وصح الحديث، وقامت الحجة.
قالوا: ولا نعلم في خبر أبي الزبير هذا ما يوجب رده، وإنما رده من رده استبعادًا واعتقادًا أنه خلاف الأحاديث الصحيحة، ونحن نحكي كلام من رده، ونبين أنه ليس فيه ما يوجب الرد.
قال أبو داود: والأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير.
وقال الشافعي: ونافع أثبت عن ابن عمر من أبي الزبير، والأثبت من الحديثين أولى أن يقال به إذا خالفه.
وقال الخطابي: حديث يونس بن جبير أثبت من هذا يعني: قوله: "مره فليراجعها"، وقوله: "أرأيت إن عجز واستحمق؟ " قال: "فمه".
قال ابن عبد البر: وهذا لم ينقله عنه أحد غير أبي الزبير، وقد رواه عنه جماعة أجلة، فلم يقل ذلك أحد منهم، وأبو الزبير ليس بحجة فيما خالفه فيه مثله، فكيف بخلاف من هو أثبت منه؟ !