الذي يكون واحدة هل هو قول الرجل: أنت طالق ثلاثا، أو قول الرجل: أنت طالق أنت طالق أنت طالق؟ الظاهر الثاني، يعني: طلاق الثلاث أنه قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق كما لو قال سبح الله ثلاثًا، يعني قال: سبحان الله ثلاثًا أو قال: سبحان الله سبحان الله سبحان الله؟ الثاني، فالظاهر أن الصيغة التي كانت معروفة هي أنت طالق أنت طالق أنت طالق فكان واحدًا وبعد ذلك تتابع الناس في هذا الأمر؛ لأن هذا الأمر كان محرمًا، ووجه التحريم: أن الإنسان إذا قال لزوجته: أنت طالق طلِّقت، فإذا قال: أنت طالق الثانية فقد طلقها لغير عدة كيف ذلك؟ لأنها الآن لم تشرع في عدة جديدة حيث إنها في عدة الطلاق، فإذا قال: أنت طالق الثالثة زاد الطين بلة، فصار متعجلًا لحدود الله؛ حيث قال:{فطلقوهن لعدتهن} وهذا طلقها الثانية لغير العدة ولهذا قال الفقهاء: أنت طالق وبعد أن حاضت حيضة قال: أنت طالق بنت على العدة الأولى ولم تستأنف العدة بالطلقة الثانية وعلى هذا فيكون قد طلقها لغير عدة فيكون عاصيًا لله، كما قال ابن عمر في الحديث السابق للرجل:"أما أنت فقد عصيت ربك ... إلخ"، عمر رضي الله عنه كان حازما وكان يسوس الناس في الغالب بأشد الأمور رأى من حكمته أن يلزم الناس بما التزموا به وإن كان محرما، وله في ذلك إمام أي: إلزام بما التزموا به وإن كان منهيًّا عنه له فيه إمام وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم أين الإمامة؟ الإمامة في الوصال نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم وهو أن يقرن بين يومين فلا يفطر بينهما- نهاهم عن الوصال ولكنهم ظنوا أن نهيه رأفة بهم ورحمة فاستمروا عليه فواصل بهم يومًا ويومًا ويومًا حتى رؤي الهلال فأفطروا فقال لو تأخر الهلال لزدتكم كالمنكل لهم مع أن الوصال أصله إما حرام أو مكروه لكنه جعلهم يستمرون إلزامًا لهم بما التزموا به، فعمر رضي الله عنه قال: هؤلاء القوم الذين عصوا الله في الطلاق الثلاث ليلزموا به أنفسهم نحن نعاملهم بما التزموا به عقوبة لهم فمنعهم من استرجاع زوجاتهم إذا طلِّقوا ثلاثًا منعهم وقال ممنوع، إذا علم الإنسان أنه سيمنع من الرجوع إذا طلق الثلاث فهل يطلق؟ لا، فكان إمضاء الطلاق في عهد عمر من باب السياسة وأن الناس إذا أكثروا فينبغي أن يمنعوا من الرجوع أما إذا كانت المسألة نادرة فيمكن لهم.
إذن في الحديث كان طلاق الثلاث واحدة فقال عمر "إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة" يعني: تؤدة، وتأخير كيف استعجلوا؟ هو إذا قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق، يعني: من الآن بت الطلاق هذا الذي يريد وكان له في ذلك أناة أن يطلق الآن مرة واحدة فيكون بالخيار إن شاء راجع وإن شاء لم يراجع هل أحد يجبره على أن يراجع؟ لا إذن لماذا يطلق ثلاثًا، يطلق واحدة ثم إن شاء راجع وإن شاء تركها إذا انقضت عدتها ملكت نفسها، فهو إذا طلق الثلاث ضيق على نفسه وكان له في الأمر سعة.