للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول: "فلو أمضيناه فأمضاه" ما معنى "أمضاه" يعني: ألزمهم بمقتضاه بأن تكون الثلاث مبينة للزوجة لا تحل له إلا بعد زوج، وهذه المسألة مما اختلف فيه الأمة، فأكثر الأمة- ومنهم الأئمة- على أن الطلاق الثلاث ثلاث تبين به المرأة، فإذا قال: أنت طالق ثلاثًا بانت به وإذا قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق بانت به، لماذا؟ قالوا لأن الرجل طلق بنفسه قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق فكيف تقول واحدة، أيضًا عمر له سنة متبوعة: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين"، فيتبع في هذا ماذا نصنع بحديث ابن عباس؟ بعضهم طعن في سنده وبعضهم طعن في دلالته فأوله وقال إن الطلاق الثلاث واحدة في غير المدخول بها كيف لأن غير المدخول بها إذا قال: أنت طالق بانت لأنه ليس لها عدة {يأيها الذين أمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} [الأحزاب: ٤٩] فإذا لم يدخل عليها ولم يخل بها وقال: أنت طالق- عند آخر القاف- طلَّقت وبانت منه، فإذا قال ثلاثًا ورد على غير زوجة وكذلك إذا قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق بانت للأولى ولا يلحقها ما بعدها فتكون الطلقة الثانية والثالثة واردة على غير زوجة فلا تحسب فحملوه على غير المدخول بها وسبحان الله أن يكون هذا التأويل لو سألتك أيهما أكثر أن يطلق الناس بعد الدخول أو قبل الدخول؟ بعد الدخول إذن معناه: حملنا الحديث على المسائل النادرة وتركنا المسائل الكثيرة، نقول: هذه الصورة التي زعمتم أنها مدلول الحديث صورة نادرة فكيف تحملون الحديث عليها وما هذا إلا كحديث آخر حمل على النادر وهو حديث عائشة الثابت في الصحيحين "من مات وعليه صيام صام عنه وليه"؟ ! حمل عن المراد به النذر، يعني: من مات وعليه صيام نذر صام عنه وليه لو سألنا أيهما أكثر أن يكون على الإنسان صوم النذر أو صوم رمضان؟ صوم رمضان؛ لأن النذر متى يكون؟ ! ! ورمضان يتكرر كل سنة فسبحان الله! أن يحمل على النذر وهو الأمر النادر ويترك الأمر الكثير! لكن هذا سببه العلة التي أشرنا إليها فيما سبق وهي أن يعتقد ثم يستدل إذا اعتقد الإنسان ثم استدل فالله يكفيه عن التحريف والتأويل لكن إذا استدل ثم اعتقد هذا هو السليم ولهذا كان القول الصحيح في مسالة الطلاق والقول الصحيح في الصيام عن الميت أنه يكون في الصوم الفريضة الواجب بأصل الشرع والنذر وكذلك في الطلاق الثلاث الصحيح؛ لأنه لا يكون إلا واحدة وأن حمله على غير المدخول بها حمل للحديث على الأمر النادر وترك للأمر الكثير.

<<  <  ج: ص:  >  >>