للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكرنا أن طلاق الثلاث على عهد النبي صلى الله عليه وسلم واحدة وأنه لا فرق بين أن يقول: أنت طالق ثلاثًا وأن يقول: أنت طالق أنت طالق أنت طالق وذلك لأن الطلقة الثانية تقع على رجعية فلا تكون طلاقًا للعدة ولهذا لا تستأنف العدة إذا طلقها ثانية بعد الطهر الأول مثلًا تستمر، فلا يكون هذا الطلاق شيئًا فيقع طلاقًا لغير العدة وقد قال الله تعالى: {فطلقوهن لعدتهن} وهي الآن في عدة، فلو فرض أن رجلًا طلق زوجته وحاضت مرتين وبقي عليها حيضة ثم طلقها فإنها لا تستأنف العدة بل إذا حاضت الحيضة الثالثة انتهت عدتها. إذن يكون الطلاق الراجح لطلاق سابق طلاقًا لغير العدة فلا يقع وهذا السر في أن الطلاق الثلاث يحسب واحدة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر ومعلوم أن الطلاق لغير العدة حرام فيقع مردودًا؛ ولهذا لما رأى عمر أن الناس لا ينتهون عنه إلا بأن يلزموا به ألزمهم به ومنه الإنسان من الرجوع إلى زوجته إذا طلقها ثلاثًا، وهذا الحديث صريح جدًا في أن الطلاق الثلاث إنما نفذ في عهد عمر، ولهذا قال بعض العلماء لما قيل له: إن القول بأن الطلاق الثلاث واحدة قال: هذا خلاف الإجماع فقيل له: بل الطلاق الثلاث إذا جعل ثلاثًا فهو خلاف الإجماع لأنه ما دام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر كل هذه المدة وطلاق الثلاث واحدة ليس فيه خلاف. إذن فهذا هو الإجماع القديم وهذا هو الذي يجب أن يعتد به، لكن لما اجتهد عمر هذا الاجتهاد تبعه الناس وصار أرباب المذاهب على هذا وبقي الخلاف في هذه المسألة غير معروف بين الناس حتى إن شيخ الإسلام رحمه الله أوذي من جهته إيذاء كبيرًا وحبس هو وتلميذه ابن القيم رحمه الله طيف به على جمل في الأسواق يشهر به لماذا يفتي بما يخالف رأي السلطان، ولكن الحق أحق أن يتَّبع، الجمهور ليس لهم جواب على هذا الحديث جوابًا يغني من الحق شيئًا؛ فمنهم من قال: إن هذا فيمن لم يدخل بها- يقصد حديث ابن عباس- لأنه إذا طلق من لم يدخل بها مرة بانت منه ليس لها عدة لأن الإنسان إذا طلَّق امرأة لم يدخل عليها وإنما عقد عليها ثم طلقها فإنه بمجرد ما يقول هي طالق تطلق وليس لها عدة تبين منه فإذا جاء الكلمة الثانية أنت طالق وردت على أجنبية لأنها بانت منه فقالوا هذا في غير المدخول بها وهذا في الحقيقة حمل مستكره لأننا لو سئلنا أيهما أكثر الطلاق قبل الدخول أو بعد الدخول؟ بعد الدخول كيف نحمل الحديث على المسألة النادرة القليلة ونوع المسألة الكثيرة؟ ! هذا حمل مستكره وهو إلى التحريف أقرب منه إلى التأويل وقال آخرون: بأن هذا الحديث فيما إذا قصد المطلق بالجملة الثانية التأكيد؛ لأنه إذا قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، وقال: أردت التوكيد لم يقع إلا واحدًا، فقالوا: إنهم كانوا يريدون بذلك التوكيد في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وزمن أبي بكر وسنتين في خلافة عمر فلما ساءت نيات الناس وصاروا يريدون التأسيس

<<  <  ج: ص:  >  >>