ويدعون أنهم أرادوا التوكيد أمضاه عمر لسوء المقاصد والنيات وهذا أيضًا تأويل مستكره؛ لأن عمر لم يقل: أرى الناس قد فسدت نياتهم فكانوا يدعون التوكيد بما يريدون به التأسيس بل قال: "أراهم استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة" فيكون هذا التأويل تأويلًا باردًا لا فائدة منه، ونحن وأنتم إلى الآن نقول: إن من أراد توكيد الجملة الأولى بالثانية لم تقع عليه الثانية، لأن المؤكد هو المؤكد، فالجملة واحدة ولا إشكال في هذا، فتبين بهذا أن رد الجمهور لهذا الحديث لا وجه له، وأنه لا يقع الطلاق الثلاث إلا واحدة وأنه لا فرق بين قوله: أنت طالق ثلاثًا وقوله: أنت طالق أنت طالق أنت طالق؛ وذلك لأن الجملة الثانية تقع لغير العدة فتكون مردودة وهذا وجه جعل الثلاث واحدة، لو قال المطلق: أنا أردت الثانية هل تقع عليه الثانية؟ على القول الذي رجعنا لا تقع، أما إذا لم يرد الثانية وإنما قالها توكيدًا أو إحجامًا ظن أن الزوجة لم تسمع فهذا ليس فيه إشكال.
يستفاد من هذا الحديث فوائد: منها: وقوع الطلاق الثلاث يعني: أنه طلاق معتبر لكن هل يعتبر بوصفه أو يعتبر بأصله؟ يعتبر بأصله فيقع الطلاق لكن واحدة وقالت الرافضة: الطلاق الثلاث لا يقع أصلًا وأن الإنسان إذا طلق زوجته وقال: أنت طالق ثلاثًا لم يقع عليه شيء لا واحدة ولا ثلاثًا، وعلَّلوا ذلك بأن هذا الطلاق منهي عنه والمنهي عنه يكون مردودًا، أرأيتم لو باع صاعًا من البرِّ بصاعين من البرِّ هل تقولون ببطلان الزيادة وهي الصاع أو ببطلان البيع كله؟ الثاني قالوا فهذا أيضًا كذلك لا تبطلوا الثلاث فقط أبطلوا الكل؛ لأنه وقع على غير ما أمر الله به ورسوله فيكون مردودًا:"من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد"، والتحريم في الوصف وأنتم تجعلون ما عاد على الوصف كالذي عاد على الأصل وحينئذ يلزمكم أن تقولوا بآن الطلاق الثلاث غير واقع أصلًا، الحجة قوية لكن لا حجة تصادم النص، فحديث ابن عباس صريح بأنه يقع واحدة فيلغي الوصف ويبقي الأصل وإذا كان عندنا نص في المسالة بطل القياس فكم تبين لنا الآن من قول؟ ثلاثة أقوال، الرابع: أن هذا في غير المدخول بها الطلاق الثلاث يقع واحدة في غير المدخول بها ويقع ثلاثًا في المدخول بها لكن هذا لا يخرج عن قول الجمهور؛ لأن غير المدخول بها تبين بالأول ويقع ما بعده على أجنبية فهو بمعنى القول الأول وإن كان بعضهم يجعله قولًا، فعلى كل حال: نحن نقول: إن القول الراجح الذي دلت عليه السنة هو اعتبار الأصل وإلغاء الوصف فيعتبر الطلاق أصله ويلغي وصفه وهو الثلاث إذا قال: أنت طالق ثلاثًا أو يلغي ما بعد الجملة الأولى لأنه وقع على غير ما أمر الله به ورسوله فيلغي.
ومن فوائد الحديث: أن الطلاق الثلاث يكون واحدة سواء وقع بلفظ: أنت طالق أنت طالق أنت طالق أو بلفظ: أنت طالق ثلاثًا؛ لقوله: كان طلاق الثلاث واحدة.