للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن فوائد الحديث: أن كون الطلاق الثلاث لو ادعى مدعٍ أنه إجماع قديم لكان قوله صحيحًا متوجهًا؛ لأنه مضى عليه عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر.

ومن فوائد الحديث: أن لولي الأمر أن يعذر بحرمان الإنسان ما يستحق، كما أن له أن يعذر بإيقاع العقوبة على من يستحق فهنا عذرهم عمر بمنعهم مما يستحقون، والذي يستحقونه المراجعة بالطلاق الثلاث، لكن منعهم لئلا يستعجلوا في أمر فيه أناة.

ومن فوائد الحديث: أن إرداف الطلاق بالطلاق سفه واستعجال؛ لقوله: "استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة" والأناة عقل وحلم، وضدها العجلة والسفه، ووجه ذلك: أن الإنسان إذا طلق زوجته واحدة هل يجبر على إرجاعها؟ لا يجبر، بل يتركها حتى تنقضي عدتها، وحينئذ تبين منه ولا تطالبه لا بنفقة ولا بغيرها فأيهما أقرب إلى العقل أن يطلقها طلاقًا يكون له فيه أناة وخيار إن شاء راجع وإن شاء لم يراجع مع أن الأمر إليه أو أن يبت طلاقها حتى يحال بينه وبينها؟ الأول.

ومن فوائد الحديث: جواز إضافة الضمير إلى النفس بصيغة التعظيم لقوله: "أمضيناه"، ولم يقل أمضيته وهذا لا بأس به خلافًا لبعض الناس الذي يقول إن الرجل إذا قال رأينا كذا يكون متكبرًا معجبًا برأيه، بل أن يقول: رأي كذا، ورأينا كذا لا سيما إذا كان حاكمًا أو قاضيًا أو ما أشبه ذلك يعني: له كلمة، لكن يشترط شرط لا بد منه وهو: ألا يقول الحامل له على ذلك الإعجاب أو الكبرياء فإن كان الحامل على ذلك الإعجاب أو الكبرياء منع من إطلاق هذا اللفظ من أجل ألا يجره ذلك من الاستمرار على مما هو عليه من الكبرياء والإعجاب، ويقول إذا خاف هذا الشرط يقول رأى كذا لو أمضيت كذا حتى يهين نفسه التي شمخت وعلت لأن الإنسان على نفسه بصيرة وهو مؤتمن عليها وأن يرعاها حق رعايتها وأن يقودها إلى ما فيه الخير وإذا رأى من نفسه أنها تميل إلى شر وإلى فساد وجب عليه أن يكبح جماحها وليعلم أن النفس الأمارة بالسوء عدوة فإذا تغلب عليها فهو كانتصاره على عدوه يكون بعد ذلك له السيطرة التامة عليها يستطيع أن يوجهها التوجيه السليم ويبعدها عن المزالق وهذه المسألة يجب على أرباب السلوك الذين يريدون تهذيب نفوسهم وتطهيرها من سوء الأخلاق أن يكون لهم السيطرة عليها وإذا كانت لهم السيطرة عليها صارت النفوس بأيديهم كالعجينة بيد العاجن من اللين والطواعية، لكن الإنسان نفسه وما هي عليه فإنه في النهاية يعجز عن كبح جماحها؛ لأنها تسيطر عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>