للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أظهركم؟ " الاستفهام هنا للإنكار والتعجب أما الإنكار فإنه ينكر على كل من لعب بكتاب الله، وأما التعجب فالإنسان يتعجب كيف يلعب بكتاب الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينزل عليه الوحي بين أظهركم؟ ! هذه حالة غريبة تدعو للعجب وقوله: "بكتاب الله" يعني: القرآن ووجه كونه لعبًا بالقرآن أن الله قال: {الطلاق مرتان} أي: مرة بعد مرة والجملة خبرية لكن معناها الأمر، يعني: طلقوا مرة بعد مرة لا تطلقوا مرات متتابعة، بل مرة ثم إذا نكاح أو رجعة طلقوا مرة ثانية ثم إذا حصل نكاح أو رجعة طلقوا مرة ثالثة فإن طلقها فلا تحل له من بعد فالله عز وجل قال: {الطلاق مرتان} هذا شأنه شرعًا، وهذا ما أمر به الله عز وجل فإذا جاء شخص وقال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق هل جعل الطلاق مرتين؟ لا؛ ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا لعبًا بكتاب الله فقال: "أيلعب ... الخ"، الجملة حالية؛ يعني: والحال أني بين أظهركم فهذا استفهام إنكار وتوبيخ، يعني: إذا كان هذا والرسول صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم فكيف إذا مات، يكون أشد ولذلك كانت المخالفة في عهد الصحابة أشد من المخالفة فيمن بعدهم؛ لأنهم شاهدوا الرسول؛ ولأن الشريعة مبنية على امتثاله وعلى انقياده ولهذا غضب النبي صلى الله عليه وسلم حين أمرهم أي: أمر الذين أتوا بالحج والعمرة أو أفردوا الحج ولم يسوقوا الهدي أمرهم أن يجعلوها عمرة، ولكنهم تكلموا مع النبي صلى الله عليه وسلم بشأن ذلك لأنهم كانوا لا يعرفون العمرة في أشهر الحج حتى غضب صلى الله عليه وسلم فكان واجبًا على الصحابة أن ينفذوا ما أمرهم به من أجل أن تتقرر السنة لأنهم لو لم يمتثلوا- وحاشاهم من ذلك- لكان من بعدهم من باب أولى ألا يمتثل، ولهذا كان واجبًا على الصحابة الذين جابههم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك من أجل أن تثبت السنة، ولهذا سئل أبو ذر هل هي لكم خاصة أو عامة؟ ، قال: بل لنا خاصة، ويحمل كلامه على أن المراد بقوله- بل لنا خاصة يعني: الوجوب لئلا يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله سراقة بن مالك: ألعامنا هذا أم لأبد؟ قال: بل لا بد الأبد، وهذا ما ذهب، وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو أحسن مما ذهب إليه تلميذه ابن القيم بوجوب حج القران أو الإفراد لمن لم يكن معه هدي، فإن كلام شيخ الإسلام أقعد وأقرب للصواب وأجمع بين سنة الرسول وسنة الخلفاء الراشدين من بعده كأبي بكر وعمر، وليس في هذا مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم والموفق من وفقه الله تعالى للفقه في الدين دون أن يأخذ بظواهر الأخبار؛ لأن الشريعة كاملة لها قواعد ومعان عظيمة، ترجع إليها، فإذا وفق

<<  <  ج: ص:  >  >>