هذه خطرها عظيم الطلاق والنكاح والرجعة لذلك جعل الشارع الهزل فيها جدًّا حتى لا يتلاعب الناس بها فإذا قال الهازل: أنا لم أقصد أن يقع الطلاق قلنا: لكنك قصدت الطلاق وإذا قال أنا لم أرد أن ينعقد النكاح قلنا: ولكنك أتيت بصيغة وكونه ينعقد أو لا ينعقد ليس إليك إنما هو إلى الله وكذلك الطلاق وأنت الآن أتيت بصيغته ونويته وكونه يقع أو لا يقع ليس إليك إنما هو إلى الله كذلك الرجعة لو راجع زوجته وقال: أنا ما أردت حقيقة الرجعة أنا أمزح، قلنا: ولكنك أردت الرجعة وكونها تحصل أو لا تحصل ليس إليك، وعلى هذا فيكون التفسير الصحيح للهزل أن الإنسان يريد اللفظ والمعنى، ولكنه أريد زوجتك أي: جعلتك صنفًا؛ لأن الزوج صنف كما قال تعالى:{وءاخر من شكله أزواج}[ص: ٥٨]. كذلك الرجعة يقول: أنا ما أردت الرجعة إنما أردت أني رجعت في كلامي ولم أقصد أن ترجع على كل حال، فرق بين من تلفظ بالشيء لا يريد معناه ومن تلفظ به يريد معناه، لكن كان هازلًا فنقول: أنت الآن تكلمت بالطلاق مريدًا به الطلاق فيقع وكونك تقول: أنا لم أقصد الجد وإنما قصدت الهزل هذا ليس إليك.
فعلى هذا نقول في هذا الحديث دليل على أمور: أولًا: أن العقود لا تنعقد عن هزل أولًا: أن العقود لا تنعقد عن هزل إلا هذه الثلاثة، فلو باع الإنسان بيته على شخص يمزح فإن البيع لا ينعقد لو كان يمزح قال تبيع بيتك قال بيتي غال عندي قال: أنا أعطيك مليونًا يمزح عليه، قال: بعتك فهذا لا ينعقد به البيع؛ لأنه كان هازلًا، ولكن لو ادعى أحد المتعاقدين أنه هزل وادعى الآخر أنه جد فالقول قول مدعي الجد؛ لأن الأصل في العقود أنها جد إلا إذا قامت البينة على أنه هازل أو كانت القرينة قوية على أنه هازل فحينئذ لا ينعقد البيع.
كذلك في الإجارة صار يمزح معه فقال: أجرني بيتك، فقال: أجرته إياه بكذا وكذا، فقال: قبلت وهو يمزح، فإن الإجارة لا تنعقد؛ لأنها هزل ولكن لو اختلف المستأجر والمؤجر هل العقد هزل أو جد؟ فالقول قول من يقول: إنه جد لأنه الأصل إلا ببينة أو قرينة ظاهرة.
ومن فوائد الحديث: حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يذكر أشياء أحيانا للتقسيم والحصر مثل قوله أربع لا تجوز في الأضاحي وقوله: "ثلاث جدهن" وقوله: "ثلاثة لا يكلمهم الله"، "سبعة يظلهم الله في ظله"، وأمثلة هذا كثيرة يحصرها النبي صلى الله عليه وسلم من أجل التقريب؛ لأن الشيء إذا عدد وحصر سهل حفظه وبعد نسيانه.
ومن فوائد الحديث: أن هذه الأمور الثلاثة في الجد والهزل وهي: النكاح والطلاق والرجعة، والحكمة من ذلك ما أشرنا إليه سابقًا وهو عظم هذه العقود وخطرها فجعل فيها الهزل كالجد، وهذا ما ذهب إليه أكثر العلماء.